جزيرة سقطرة وأهميتها الإستراتيجية في ميزان القوى العالمية الكبرى قديما وحديثا .

أ.د . أحمد صالح العبادي .

تعد جزيرة سقطرة من أكبر الجزر اليمنية في خليج عدن والبحر العربي، وتقع جنوب غرب
المحيط الهندي على خط الطول (54ْ) شرقاً ودائرتي عرض (30و12ْ) شمالاَ ، وتبعد نحو (130) ميلاً شرق رأس ( جارد افوي ) الذي كان العرب يسمونه ( الرأس العسير ) أو ( رأس التوابل ) جنوب الصومال، وتبعد نحو ( 300) ميل عن الساحل العربي و ( 553) ميلاً عن ( عدن ) ، ويبلغ طول الجزيرة ( 75) ميلاً وعرضها ( 23) ميلاً ، في حين تبلغ مساحتها(1400) ميل مربع.

وجزيرة سقطرة تعد بحق سفينة نوح التي حفظت ، حتى يومنا هذا ، أصنافاً أثرية كثيرة للحياة إذ تزخر هذه الجزيرة بعجائب الشجر وطرائف الثمر وغرائب الحيوانات التي لم تعد موجودة في سواها ، وبحق إن جزيرة ( سقطرة ) تعد متحفاً للتاريخ الطبيعي ، وتمثل قيمة لا تقدر بثمن للعلم.
وقد تم اقتراحها كإرث عالمي من قبل المنظمة الدولية للإرث العالمي وتم إعلانها محمية طبيعية للإنسان والمحيط الحيوي من قبل منظمة اليونسكو ، كما أصدرت (اليمن) قراراً جمهورياً رقم ( 257) لسنة ( 2000م ) بشأن وضع خطة لتقسيم الجزيرة والجزر التابعة لها إلى عدد من المناطق السياحية.

وقد تعددت آراء الدارسين والمؤرخين حول تسمية جزيرة سقطرة ،إذ وردت في كتابات اليونان منذ القرن الرابع قبل الميلاد بإسم ( Sacred) أو ( Hiera) أي المقدسة .
ويقال إنها مشتقة من اللغة السنسكريتية Dvipa Sukhatara) أي جزيرة السعادة وهذا يدل على صلة أهل الهند بهذه الجزيرة منذ عصور قديمة.
وقد وردت في النقوش اليمنية القديمة (سكرد) وهي تقابل (سقطرة) .
ووردت تسميتها لدى البطالمة – Dioscridou Nesos- أي جزيرة الأخوين .
ويقال بأن عاصمة الجزيرة (حديبو) التي تدعى أيضاً (تماريدا) ، تقع في منطقة العاصمة القديمة ( الشّق ) باللغة السقطرية و( السوق ) باللغة العربية لأنها كانت السوق الرئيسية لمنتوجات الجزيرة من : التمر واللبان والمر والصّبر ودم الأخوين. لذلك يقال إن الاسم الصحيح لـ (الجزيرة ) كان سوق قطرة أي (سوق قطرة دم الأخوين).

وقد تحدث عنها العلماء والكتاب اليونان بإعجاب شديد ومنهم ثيوفراستوس وإيراتوسثنيس وارثمدوروس وديودوروس السقلي وغيرهم ، وتحدثوا عن موقعها المهم في المحيط الهندي وذكروا إنها كنت مقصدا للتجار من شتى أقطار الأرض و إنهاكانت تضم جاليات تجارية من الهند وبلاد الشرق وفارس وبلاد اليونان ومصر فضلا عن العرب ، وتحدثوا عن ثرواتها الحيوانية واصدافها ونباتاتها الطريفة والنادرة التي لاتوجد في سواها بضمنها شجرة دم الأخوين وأيضا البخور والمر ذهب وبترول العصور القديمة الذي لم يكن إنسان العصور القديمة يستطيع الاستغناء عنهما، وذكروا أن الجزيرة تتبع ملك بلاد البخور اليزاروس وهو العزيزيلط بن عم ذخر ملك حضرموت التي كانت تعرف ببلاد البخور . ( لمزيد من المعلومات عن أهمية جزيرة سقطرة في العالم القديم ، ينظر بحثنا الموسوم جزيرة سقطرة في كتابات اليونان ، مجلة جامعة ذمار ، 2007).
وقد ذكر الدارسون والمؤرخين أن جزيرة سقطرة تتضمن نباتات متعددة و وطريفة ومتباينة بل إنها تعد متحفا للنبات الطبيعي ناهيك عن موقعها المهم على طريق التجارة البحرية بين الشرق والغرب فقد كانت محطة مهمة ترسو بها السفن التجارية للاستراحة والتجارة والتزود بالماء والغذاء وغير ذلك من الاحتياجات فضلا عن كونها سوق تجارية كبيرة ، فهي جزيرة ذات أهمية كبيرة بكل المقاييس والاعتبارات. .وهي درة ثمينة في أعين كل القوى الطامعة والطامحة في السيطرة عليها.

أما عن تسميتها بالمقدسة في كتابات اليونان والرومان فذلك يرجع الى إنتاجها للنباتات المقدسة بضمنها البخور الذي كان يعد غذاء الآلهة إذ كان يقدم قرابين ونذور للآلهة ونظرا لإستعمالاته الأخرى في الطقوس الدينية والجنائزية عند دفن الموتى ، وكان يستعمل في جميع المناسبات العامة والخاصة وسائر الاحتفالات فلم يكن بمقدور إنسان العصور القديمة أن يستغني عنه ، لذلك فقد كان كما يذكر المؤرخون ذهب وبترول العصور القديمة.

ونظرا للأهمية الاستراتيجية لجزيرة سقطرة فقد كانت مطمعا للدول الاستعمارية في مختلف العصور التاريخية ، فقد حاول اليونان غزوهاأكثر من مرة منذ زمن الإسكندر المقدوني (333_ 323) ق.م وفي عهد بطليموس الثاني فيلادلفوس (285- 247) ق.م. ، كماتعرضت الجزيرة للغزو الخارجي في العصور اللاحقة وفي زمن الكشوف الجغرافية الكبرى من قبل الاستعمار في العصور الحديثة ، فجزيرة سقطرة درة ثمينة ولها وزنها في الأطماع الخارجية إذ تسعى القوى الكبرى للسيطرة والاستحواذ على هذه الجزيرة أو إيجاد موطئ قدم لها بها ، ناهيك عن ثرواتها المعدنية وماتضم في باطنها من ثروات أخرى ..!
وفضلا عن تلك الأهمية التاريخية والطبيعية للجزيرة وموقعها الجغرافي المهم ، فقد برزت أهمية الجزيرة في الوقت الراهن وزادت أهميتها في ميزان القوى الكبرى بسبب وقوعها على خط التجارة العالمي الجديد وهو طريق الحرير الصيني التي بدأت الصين في انشائه والذي يربط الشرق مع الغرب وسمي بطريق الحرير محاكاة لطريق الحرير قديما وهو طريق يربط الصين مع معظم سكان العالم برا وبحرا ويوصل البضائع الصينية بأقل تكلفة مما هو عليه حاليًا ..
وتعد سقطرى محطة مهمة بالنسبة لهذا الطريق حيث من المفترض أن ترسوا بها السفن العملاقة وتفرغ حمولتها في سفن أصغر حجما وتوزع على مناطق دول افريقيا ، فضلا عن ميناء عدن الذي يحظى بأهمية كبيرة حيث ترسوا به السفن العملاقة وتفرغ حمولتها ومن ثم توزع لكافة انحاءالجزيرة العربية .
وهذا سيعود على اليمن بدخل قومي كبير جدا من حيث الجمارك والشحن والتفريغ والنقل البري والبحري والجوي وكذلك تزويد السفن بالوقود بالإضافة إلى تشغيل الآلاف من الأيادي العاملة في هذا المجال .

ومما لا شك فيه أن جزيرة سقطرة ليست بعيدة عن أنظار القوى الكبرى التي تدرك أهمية هذه الجزيرة أيضا من الناحية السياسية والعسكرية وخاصة في ظل الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط ، وكل من هذه القوى تحرص على أن تكون لها قاعدة عسكرية بجزيرة سقطرة والإفادة منها سياسيا وإقتصاديا وعسكريا .
ومن المؤكد إن إستمرار الصراع في اليمن وعدم الإستقرار بها وغياب الدولة ، سيجعل الصين تبحث عن بدائل أخرى وموانئ ومحطات بديلة للموانئ اليمنية لخدمة الطريق التجاري العالمي الجديد ومن ثم حرمان اليمن من عائدات وفوائد إقتصادية ضخمة من شأنها أن تنهض بالإقتصاد اليمني وتعمل على تحسين المستوى المعيشي للمواطن اليمني فضلا عن الإسهام بنصيب كبير في حل مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل للشباب الذين سيفيدون من العمل في هذا الشريان التجاري بصورة أو بأخرى..!

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن المحرر المحرر

شاهد أيضاً

وزير دفاع حكومة صنعاء في زيارته الميدانية يخذر من العواقب إذا استمرت دول العدوان في جرائمها.

جريدة السلام – متابعات خاصة . قام وزير الدفاع في حكومة الانقاذ الوطني بصنعاء اللواء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.