الوعد الصادق.. تحدّي إيراني وتحولات إقليمية في مواجهة إسرائيل.

ال 14 من نيسان – إبريل 2024..كانت عملية الوعد الصادق اليوم الذي كسرت فيه إيران كل الخطوط الحمراء ،و ثبّتت واقعاً جديداً في المنطقة، قائماً على جرأتها في الرد على كيان الإحتلال بفعل صواريخها وطائراتها المسيرة التي اجتاحت حدود عدة دول،فنزلت وكأنها حجارة من سجيل على الكيان الصهيوني الغاصب والمتحل لفلسطين التاريخ ،.. هذا الهجوم المعقد والمدروس أصاب أهدافه بدقة، مما جعله يُصنّف بأنه “أكبر هجوم بالطائرات المسيّرة في التاريخ”، و”أول هجوم واسع ينقل على الهواء مباشرة”، كما وصفته بعض وسائل الإعلام الغربية.

*صحيفة “وول ستريت جورنال” قالت هي الأخرى أن الهجوم الإيراني على إسرائيل أكبر هجوم في العالم بالطائرات المسيرة.. ورئيس شعبة الاستخبارات السابق في سلاح جو كيان الإحتلال ، عاموس يدلين، أشار في تصريحاته لوسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن “الهجوم الإيراني لا مثيل له في أي حرب في القرن العشرين، حتى لم تنجح روسيا خلال سنتين في إطلاق صليات مماثلة في أوكرانيا”.

*جاء الرد الإيراني كرد فعل على عدوان الكيان الصهيوني، مستنداً إلى المادة (51 )من ميثاق الأمم المتحدة، إذ كانت إيران ترى في تحركات الكيان الصهيوني محاولة لفرض واقع جديد على المنطقة، بمحاولة وقف الدعم للمقاومة في الجبهات العراقية واليمنية واللبنانية والسورية وخاصة في غزة. وتجلى ذلك في استهداف تل أبيب للقنصلية الإيرانية في دمشق، ما أسفر عن استشهاد سبعة من القادة في الحرس الثوري الإيراني.

-لم تكن تل أبيب تتوقع رداً إيرانياً، نتيجة الضربة ،بل كانت تأمل في “الصبر الاستراتيجي” من إيران، أو حتى الإذعان لمطالبها، أو تضطر إلى الإذعان بوقف مشاغلة إسرائيل عبر محور المقاومة وعلى رأسها جبهة اليمن التي كبدت العدو الصهيوني وأمريكا وجميع الدول الداعمة له خسائر إقتصادية بإغلاقها باب المندب أمام تلك السفن التي تخص الكيان الغاصب .. ولكن الواقع كان مختلفاً تماماً.

*قبل عملية الوعد الصادق مارس الإيرانيون حرباً نفسيةً ضد الإسرائيليين ،

و نجحت طهران في تلك الحرب ، وجعلت كيان الاحتلال يعيش أياماً عصيبة، وصلت في وقت الرد الإيراني، إلى شل الدولة الصهيونية بالكامل، ووقف مطاراتها وحركتها الاقتصادية، ومظاهر الحياة فيها، لمدة ساعات ،

جاء ذلك على أللسنة قياداتها العسكرية السابقة أن إسرائيل أنفقت ماقد يصل إلى 5 مليارات شيكل ( نحو 1.35 مليار دولار ) خلال ليلة واحدة من أجل التصدي للهجوم الذي أطلقته إيران.

في الخفايا استخدمت إيران مسيّرات وصواريخ ليست الأحدث لديها، بل لجأت إلى تلك الأنواع العادية حتى تعري قدرات اسرائيل العسكرية التي تصف نفسها بالجيش الذي لا يقهر ، حددت توقيتها بمعرفة الدول، وتركت العواصم الغربية ترصد مسارها، لتتفرّج على الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، وهم يقومون بإسقاط معظمها،.

إسرائيل أتبتلع الهزيمة ، فهي لم تستطيع مواجهة أسلحة من الدرجة العادية.. حقيقة أثبتت لحلفائها أنها دولة كرتونية..

*مسيّرات وصواريخ عبرت حدود دول عدة، ووصل بعضها ليصيب أهدافها المحددة بدقة وهي قواعد رئيسية في فلسطين المحتلة، ومركزا استخباريا هاما في الجولان المحتل، وقاعدة نيفاتيم الجوية ومطار رامون العسكري جنوب الأراضي المحتلة.

هنا تبرز أهمية الرغبة الإيرانية بالرد، من دون فتح الحرب، بل فرض واقع أن الكيان الإسرائيلي عاجز عن حماية نفسه من دون تدخل الأميركيين تحديداً.

*هكذا أرادت طهران عدم استهداف المدنيين، ولا المؤسسات الإسرائيلية، ولا المرافئ أو المطارات، ولا البُنى الفوقية أو التحتية. بل صوّبت على مطار عسكري مسؤول عن ضربة القنصلية، ومركز استخبارات معني بإستهداف المسؤول الإيراني، لا غير. ولو أرادت إيران تحقيق أذية وفتح الحرب، لكانت أرسلت مسيّرات أكثر فاعلية، وصواريخ أسرع وأكثر دقّة وضرراً.

_ماذا بعد؟

استطاعت إيران أن تخاطب الأميركيين والعالم بأنها قوة إقليمية فعلية، وهي جاهزة لكل الاحتمالات، لكنها ترغب بعدم التصعيد، وضبط استقرار الإقليم، فبعد أن كانت إيران الحلم الذي يؤرق نومهم .. أصبحت الحقيقة التي جعلتهم مجبورين أن يتعاملوا معها بحسابات وتقديرات جديدة .. مما جعل تل أبيب تبتلع الرد الإيراني الذي مرغ صورتها أمام جبهتها الداخليةوحلفائها بصمت .. وأما أن ترتكب حماقة جديدة بالإعتداء المباشر على مواقع عسكرية في إيران أو بضربة محدودة لحفظ ماء وجهها .. أو عبر إغتيال قادة الحرس الثوري خارج الأراضي الإيرانية وفي كل الأحوال فإن أي إعتداء مهما كان نوعه وحجمه فإنه سوف يفتح عليها أبواب جهنم ,,وهذا ماحذرت منه طهران التي رمت الكرة في ملعب القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها أمريكا برسالة حازمة بعث بها الريئس الأيراني أختصرها بجملة ” إن أصغر إعتداء على إيران سيقابل برد قاس واسع النطاق ”  وفي جلسة مجلس الأمن يوم الخميس 18/4/2024 صرح وزير الخارجية  حسين أمير عبداللهيان قائلا” التزمنا طويلا بضبط النفس لكن لم يكن لدينا خيار سوى الرد على العـدوان بعد قصف قنصليتنا.. إذا انتهك الكيـان الإسرائيـلي سيادتنا فلن نتردد في الرد بشكل ملائم ورادع”. وكما هو معروف لدى الإيرانيين إذا وعدوا أوفوا وإذا قالوا نفذوا ..

-تداعيات

على مستوى كل دول محور المقاومة والأنظمة الحرة في العالم،حظيت عملية الوعد الصادق التي نفذتها إيران إلى عمق كيان العدو الصهيوني المحتل بمُباركة واسعة ، في خطاب متلفز يوم الخميس 18/4/2024 صرح  زعيم أنصار الله في اليمن السيد عبد الملك الحوثي قائلا ” الرد الإيراني يمثل دعماً مفيدا ومباشراً للشعب الفلسطيني .. والرد الإيراني كان قوياً من حيث زخم النيران وإنتقاء الأهداف .. والمحور شارك من مختلف الجبهات .

عقب ليلة الرد والعقاب الإيراني لكيان الإحتلال  ثمة معادلة جديدة يسعى الغربيون (الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي ) إلى فرضها على المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل،، أعلن الكيان الصهيوني عزمه معاقبة طهران والرد على هجماتها ، فإن الغربيون يتخوفون من الرد المعاكس لذلك سارعت أمريكا والدول الغربية بفرض عقوبات جديدة على إيران، وتحديداً على الشركات الضالعة في تصنيع المسيرات والصواريخ وبينت قمة القادة الأوربيين التي ناقشن هذا الملف في بروكسل ليل الأربعاء 17- والخميس 18 من نيسان – إبرايل 2024 توافقا تاما على فرض هذه العقوبات .

هكذا يبتدي المنهج الامريكي والأوربي بطرح مقايضة العقوبات على إيران وعزلها .. بشرط أن تمتنع إسرائيل عن أي إجراءات تفتح الباب لحرب واسعة النطاق بالمنطقة .

لكن السؤال الذي يطرح نفسه ،هل الإغراءات ” الأمريكية الأوروبية كافية للجم كيان الإحتلال .. أم أن الأخيرة ماضية في مخططاتها رغم ماعرف في الأيام الأخيرة وفق تسريبات الصحافة الأمريكية ، عن خطط تم التراجع عنها في الدقائق الأخيرة ؟

الجواب في تل أبيب بالطبع ، ولكنه في جانب كبير منه في واشنطن أيضا .

في الختام ، يظل التوتر بين إيران وكيان الإحتلال الصهيوني واحدا من أبرز التحديات التي تواجه المنطقة ، ومع استمرار تصاعد الوضع الأمني والسياسي ، يبقى السؤال الأبرز حول كيفية التعامل مع هذا الصراع وتحديد مسارات الحلول الممكنة ، وذلك بمشاركة جميع الأطراف المعنية في البحث عن حلول تعزز الإستقرار والسلام في المنطقة .

بقلم:هدى صبر

اليمن – صنعاء

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Ibarhim Ali

شاهد أيضاً

هناك أناس سمعوا،أن الوطن غالي فباعوه!

تخيل أن تكون شخصا غير مرغوب فيه،تخيل أن تكون شخصا ينتمي الي مجموعة ضعيفة، فقيرة،منبوذة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.