الأزمات السياسية للمجتمع العفري

يعاني المجتمع العفريكغيره من المجتمعات التقليديةعددا من الأزمات السياسية، وتتمثل أزمات المجتمع العفري في ثلاثٍ وهي: الأزمة السياسية، الثقافية، والأزمة الاجتماعيةالاقتصادية، وقد تختلف وتتباين درجات هذه الأزمات مكانيا وزمنيا، ولكنها تشترك كونها تشكّل عائقا أمام أي مشروع وطني أو قومي على أساس تحقيق الصالح العام للأمة.

نتيجة قراءاتي المتواضعة للوضع العفري أكاد أجزم أنّ الأزمة الأساسية التي يعاني منها العفر هي أزمة المثقف، وهي التي تترتب عليها بقية الأزمات، وأزمة المثقف هي الأمّ الولودة لكل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولذا تناولتُ كثيرا بأسلوب قصصي وحواريّ الأزمة الثقافية ومن ثم الاجتماعيةالاقتصادية في كتاباتي السابقة، وفي هذا المقال سأتناول الأزمات السياسية وذلك بسبب تصدّرها في الآونة الأخيرة المشهد ولأنها باتت في سلم أولويات الفرد العفري، وخاصة بعد إعلان مؤتمر الوحدة بين حزبين سياسيين ( EASE) و (EADM) والذي سينعقد في مدينة ( أوبسالا ) السويدية في الفترة (30 يونيو– 1 يوليو/ 2018). إذ أثبتت هذه الوحدة مدى الشرخ بين الأمة الواحدة، وكما اتضح ضعف الكوادر العفرية في احتواء الأزمة أو الحيلولة دون وصولها إلى توظيف القبلية والمناطقية.

تعدّ الأزمات السياسية من أهم الأزمات التي يعانيها العفر إن لم تكن الوحيدة أو الرئيسة، ومردّها بالأساس ثقافيّ، ولها جذور تاريخية في العقل الجمعي العفري وأهمه غياب مفهوم الدولة المركزية لدى العقل العفري، وذلك نتيجة تعدد مراكز السلطة في هذا المجتمع، حيث كان منقسما إلى خمس سلطنات وكلٌ منها مستقل استقلال تاما عن الآخر، وحتى داخل نفس السلطنة الواحدة تغيب مركزية السلطة، إذ كل قبيلة شبه مستقلة عن مركز السلطان. وسلطة التي كان يتمتع به السلطان سلطة رمزية ولا تمتلك أدواة الاخضاع أو الإكراه وهو ما يعني أن الدردر أو السلطان دوره اجتماعيّ بالأساس. والسلطة بمعناها البسيط امتلاك أدواة الإكراه والاخضاع. ما يجعل السلطة السياسية غائبة عن الوعي الجمعي لدى العفر.

تبرز الأزمات السياسية في عصرنا بمظهرين وهما أزمة المعارضة، وأزمة الحوار

أولا/  أزمة المعارضة
يفتقر العفر إلى معارضة حقيقية تعكس أولويات مجتمعها، سواء منها المتطلبات الوجودية كقومية أو الحقوقية كمواطن، لأن المعارضة السياسية العفرية تعاني ضبايبة في أهدافها وذلك لعدم وضوح الرؤية ولأنها لم تحدد أولوياتها، وكذلك آليات تحقيقها، وأيضا لم تدرس مصادر قوتها ومكمن ضعفها مما خلق شرخا بين الواقع والرؤية لدى الساسة.

وهناك علاقة تلازم بين غياب الرؤية وضبابية الأهداف وبين الضعف في البنية الفكرية للمعارضة، وهذا بدوره يؤدي إلى افتقارهاالمعارضةرصيد شعبي في محيطها المحلي والإقليمي، حيث الفرد العفري  لا يرى في ممارسات المعارضة غير المتسقة مع الأهداف أملا في خلق أوضاع جديدة له قد تغير حاله للأفضل، وذلك لأن رؤيتها تفتقد لأي متطلبات النهوض بالأمة أو على الأقل إعادة بعثها بين نظرائهم من المواطنين.

غاب ويغيب عن خطابات المعارضة العفرية الخطاب الوطني مقابل تصاعد في الخطاب القومي، وهي أزمة متجذرة في العقل السياسي العفري منذ قدوم الاستعمار ومستمر رغم استقلال الدول الثلاثة (جيبوتي، إثيوبيا، وأريتريا) وكأن العلاقة بين ما هو قومي وآخر وطني علاقة عكسية وتضاد، وأن المواطنة والوطنية تهدد كل ما يتصل بالقومية، وهذا المنطق غير واقعيّ، لأن المواطنة تحقيق للذات وتقنين لحقوقها الوجودية والإنسانية في الدستور، ومتى تحققت المواطنة حتما ستتحقق المطالب القومية للأمة.. فكانت نتيجة هذا الخطاب بجانب الافتقاد للحس الوطني توترت العلاقة مع شركائنا في الوطن وخلق شكا أبديا بيننا، وعدم ثقة  نتربص كل هفوة وزلة قلم أو لسان وحتى عدم اليقين في كل تصرفات من يختلف عنا وإن كانت نيته حسنة. وهذا ما حوّل العلاقة بيننا وبين الشركاء علاقة المباراة الصفرية.

إن اللهجة العدائية لجميع الفصائل الوطنية حتى العفرية منها وتخوين كل من تحدث عن الوطن، خلق ويخلق صورة نمطية بأن العفر عدو الوطن،  وكان ذلك بسبب عدم تحديد الأولويات وضبابية الأهداف التي مردّها غياب الرؤية والاستراتيجية لدى قيادة المعارضة، وفي النهاية لا القومية انبعث مجدها وأثبتت وجودها ولا الحقوق في الوطن تحققت.

أخيرا، يغلب الطابع العسكري في جميع نضالات العفر إذ تفتقر المعارضة إلى جناح سياسي متمكن من أدوات الدبلوماسية السياسية، وما حدث في التسعينيات  من القرن الماضي في جيبوتي دليل دامغ في هذا الشأن، حيث كل ما هو سياسيّ تابع للجناح العكسري لأنه هش وضعيف جدا بسبب سيطرة الجانب العسكري، وهذا يفقد أي نضال فرصة التواجد خارج محيطه المحلي والإقليمي، لو لاحظنا كل الهزائم التي تعرضت لها المعارضة العفرية سنجدها هزائم سياسية رغم امتلاكهم ميزة تفاوضية على الخصوم في المفاوضات. وحدث بالتبعيةأي لسيطرة الجانب العسكري على السياسي  إلتباس لدى مؤيدي المعارضة؛ حيث عُدّ أيّ انتقاد لسياسة فصيل انتقاد للجناح المسلح واعتبار النقد تقليل بدماء وأرواح المقاتلين في الميدان مما ألبس المعارضة ثوب القدسية وعدم قابليتها للنقد لأنه يعد نققدا للشهداء والمقاتلين. ينبغي التفريق بين الجناح السياسي والعسكري حتى يتسنى للمجتمع الذين يناضلون باسمه التقييم والحكم على كل جناح منفردا، وحتى يتحمل كل منهما اخفاقاته ويحسب له انجازه، لا يمكن محاسبة الجناح العسكري في اخفاقات السياسي، ولا يحاسب السياسي في اخفاق العسكري. ولذا وجب فض الاشتباك بينهما وظيفيا وليس هدفيا.

نخلص مما سبق أن أزمة المعارضة ما هي إلا أزمة القيادة لدى المجتمع العفري، حيث لا تمتلك الأمة قيادة فعلية يمكن أن تمثلها داخليا وخارجيا، وأزمة القيادة هي نتيجة طبيعية لأزمة المثقف. ( لمن يرغب معرف أزمة المثقف العفري أحيله لقصتين قصيرتين ستجدونهما على صفحتي تحت عنوانين: ثلاثية الحب المنتحر، عاهرة في البلاط).

وفي المقال القادم إن شاء الله سأتناول النقطة الثانية لأزمات السياسية للمجتمع العفري (أزمة الحوار) ومن ثم سأتعرض جزئيا للمؤتمر الوحدوي المنتظر انعقاده بين الحزبين متناولا مميزات الوحدة وفوائدها كونها أحد نتائج الحوار.

23/06/2018، القاهرة

Fantastic   Kamil

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

تعليق واحد

  1. المهندس أحمد العفري

    مقال جميل جدا و وضع اليد على الجرح يسهل على الطبيب معالجة فاقد الوعي وما نتمناه هو معرفة المرض وأسباب عدم وجود القائد هل الأم العفرية غير قادرة على ولادة قائد ام ان القائد يحتاج إلى بيئه خاصة يولد فيها غير هذه البيئه. وكيف يمكن لنا االفصل بين المكون السياسي والمكون العسكري . وما هي الوطنية وهل تتنافى الوطنية صفة القومية اي إذا كنت وطني فلست انت قومي أو العكس…. تحياتي لك أخي حمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.