الاستاذ عبدرالرحمن بشير

إنتهت القمة العربية ، ولا أمل للشعب الصومالي .

بقلم الاستاذ / عبدالرجمن بشير

كاتب ومفكر اسلامي من جيبوتي

فى الوقت بدل الضائع ، إجتمع العرب فى بيت العرب ( الجامعة العربية )، وأقاموا كعادتهم سوقا للخطاب المنمق ، وهم على الدوام كما قال العرب قديما : أوسعتهم سَبّا فساروا بالإبل ، ومن خلال وسائل إعلام مختلفة ، حاولت أن أستمع إلى كلمات القيادات العربية فى زمن التيه العربي ، فرأيت فيها العجب بلا حد .

هناك تخبط عربي واضح حول مفاهيم أساسية ، ومن أهمها مفهوم الأمن القومي ، واستمعت بكل حضور كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية ، وذكر بأن الأمن القومي مهدد فى هذه المرحلة ، ولكنه لم يذكر ولا كلمة حول التخوم الجغرافية كمفهوم جيوسياسي للأمن القومي ، فهو لم يتناول فى حديثه عن الصومال كدولة ، تلك الدولة الملحقة فى الجامعة العربية ، وهي موجودة بأهم ثغرة فى الأمن العربي ، والتحقت بالجامعة لأجل ذلك فى عام ١٩٧٤م ، ولكن الصومال كانت ورقة تم إستخدامها من الأنظمة العربية .

لو كنت مكان فرماجو ، لم أكن أذهب أبدا إلى مثل هذا المؤتمرات الهزليةً ، والسبب هو أن الأنظمة العربية تنظر إلى الصومال كملف إنساني لا غير ، ولهذا تحدث الأمين العام للجامعة الأمن القومي وتهديداته ، وذكر ما يجرى فى اليمن من تدخل خارجي ، وقتال مستمر ، ومجاعات قاتلة ، كما تناول فى خطابه مشكلة سوريا ، ولكن الرجل بسبب غياب مفهوم الأمن القومي الواسع لديه لم يذكر الصومال ، وما يتعرض له من تدخلات خارجية ، ومن التهديد الإرهابي الحقيقي المتمثل فى حركة الشباب المتطرفة .

لم يتحدث الأمين العام لهذه الجامعة التى دخلت فى مرحلة ( الخرف ) عن التخوم كلها ، لم يذكر فى خطابه عن ليبيا ، ولا عن السودان ، ذلك لأن خطاب الرجل ينطلق عن الرؤية المصرية للصراع الإقليمي ، فهو موظف فى وزارة الخارجية المصرية ، ولهذا لم يكن خطابه بعيدا عن السياسة الخارجية المصرية الحالية .

فى كلمته المملة ، لم يتحدث الرجل عن التهديدات الحقيقية والمستمرة للأمن القومي ، فلا حديث عن البطالة ، ولا كلام عن الفقر ، بل لا كلام حقيقي عن المشكلة الفلسطينية ، والتى تمثل القضية المركزية للعرب والمسلمين وللإنسانية البرئية .
من عجائب زمن التيه ، يختصر الأمن القومي العربي حماية السعودية من صواريخ البلاستية ، والتى تنطلق من اليمن ، ولكن ليس من الأمن القومي العربي المجاعات التى تكتسح عموم اليمن ، والصومال ، والسودان ، بل ومن أعجب ما سمعت من الأمين العام ( أبو الغيط ) بأن مصر بلد نموذجي ، وأن مصر تحقق كدول الخليج ، والمغرب نوعا من النهضة ، وجميع التقارير الدولية تشير بأن مصر على حافة الإفلاس .

فى كلمة الملك السعودي خطاب للإستهلاك المحلي ، فقد أعلن بأن هذه القمة خاصة بالقدس ، يا له من حكيم ! ، لقد إنتهى زمن البلطجة الإعلامية ، زمن القول وغياب الفعل ، كل شيء بسبب الإعلام الحر فوق الطاولة ، فلا شيء تحت الطاولة ، ولكن قيادات العرب التى شاخت لا تعى تلك الحقيقة .
يقدمون للغرب مئات المليارات من الدولارات كرشى لبقاء العروش الفارغة ، ولكنهم يمنحون القدس وصمود أهلها ( 150 ) مليون دولار فقط ، شُح بلا حد لأجل المقدسات ، وإنفاق بلا سقف لحماية العروش ، ثم يقولون بلا حياء ، نحن نقيم قمة للقدس ، إنه النفاق ولكنه هذه المرة بلا قناع .

لقد ذهب فرماجو إلى مكان ، يعتبر فيه شخصيا غير مرغوب ، وأن قضية شعبه ليست أولوية عند هذه الأنظمة التى فقدت كل قيمة ، ولهذا كان يجب عليه تخفيض التمثيل ، ويطالب سفيره فى الجامعة العربية تمثيل بلاده فى هذه القمم بشكل دائم ، ذلك لأنها لا ترى مسألة الشعب الصومالي أولوية قصوى ، وأشعر دوما بأن الشعب الصومالي وأشباهه يفرضون أنفسهم على البيت العربي ، ولهذا يكون من الضروري مراجعة وجود مثل هذه الدول فى هذه الجامعة .

يواجه الشعب الصومالي محنة غياب الدولة المركزية فى عقود ثلاثة ، ولَم نجد دعما عربيا فى هذا الإتجاه ، بينما الأفارقة ، وخاصة دول منظمة الإيغاد فعلوا الممكن أكثر من مرة ، ولكن الجامعة العربية ، وكذلك الأنظمة العربية تنظر إلى مسألة الصومال دوما من زاويتين ، الزاوية الإنسانية ،ًولهذا نجد نوعا من التزاحم ما بين المنظمات الإنسانية والخيرية فى المدن الصومالية لنشر الفكر الديني من خلال الخبز والتمور ، والزاوية الثانية تتمثل فى نشر رجال الأمن والمخابرات فى ربوع الصومال ، واستخدام المال العربي ( الإمارات ) نموذجا لصناعة الجيوب التابعة لها .

إنتهت القمة ، ولكن الرئيس فرماجو سيعود إلى مقديشو ، وهو يشعر من الداخل أنه عبء على الجامعة ، وكذلك السيد جيلة ، ورئيس جزر القمر ، كل هذه الوجوه تذهب إلى القمم للديكور ، فقد إنتهى زمن العروبة ، والسبب هو أن رجال الزمن تحولوا من العروبة ليكونوا شيئا آخر ، ما فائدة وجود فرماجو فى هذه القمة ؟ أين قضية الشعب الصومالي ؟ هل هي قضية عربية ؟ إذا كانت كذلك ، ما هي الحيّز الذى أخذت من خطاب الأمين العام ( أبو الغيط ) ؟

يجب أن يواجه المواطن الصومالي الحقيقة كما هي ، لا ينبغى أن نستخدم سياسة النعامة مع الآخرين ، فلا أجمل من معرفة الواقع ، والتعامل معه كما ينبغى ، فالأمن القومي العربي الأصيل مهدد بغياب الدولة عن الصومال ، ووجود الفقر المدقع فيها ، وفى اليمن ، والتمزيق المتعمد فى ليبيا ، والجفاف المنتظر فى مصر بسبب بناء سد النهضة فى إثيوبيا ، وعربدة إسرائيل فى أفريقيا ، ولكن أين خطاب الأمين العام ، والذى تم صياغته بشكل كامل فى أروقة الخارجية المصرية من كل ذلك ؟

إنتهت القمة ، ولا عمل بعدها ، فهي قمة الكلام ، فهم هربوا من الرياض خوفا من صواريخ جبهة ( الحوثيين ) ، فكيف يستطيعون مواجهة الدول الكبرى فى سوريا ( روسيا ، وأمريكا ) ؟ بل وكيف يقدرون الصمود أمام إيران ، وهم لا يستطيعون مواجهة القضايا الأصيلة فى أوطانهم من الديمقراطية والعدالة ، ومحاربة البطالة ، وتجفيف مصادر الفقر ، قبل مصادر الإرهاب ، ذلك لأن الإرهاب عرض ، والفقر هو المرض .

إنتهت القمة ، وقال كل واحد منهم كلمته ، ولكن ليس هناك خطاب يدخل فى التاريخ ، ويبقى فى ذاكرة الجماهير ، فقد إنتهت الزعامات فى لحظة التيه العربي ، ذلك لأن المواطن لا يتفرج على هذه القمة ، بل لديه ألف مشكلة ، فهو يرى بأنهم جزء من المشكلة ، فكيف يكونون جزءا من الحل ؟
لقد كنت فى جلسة مع بعض الشباب فى مقهى عام فى أوتاوا ، ولَم يذكر واحد منهم أن العرب يجتمعون فى مدينة البترول فى السعودية ، وكنت من قبل فى درس عام فى مسجد ، فلم ألاحظ أحدا تحدث معى عن هذه القمة ، وكل هؤلاء من العرب المهاجرين .

إنتهت القمة ، ولَم تتحدث عن صمود الشعب الفلسطيني ، وإرادة العودة إلى فلسطين من خلال معركة العودة السلمية ، هناك خوف من الصمود ، بل وهناك شعور فى الداخل أن العدو تغير إستراتيجيا ، ولكن الشعوب ترفض هذا التغيير المفاجئ ، وترى بأن السياسة الخاوية تصنع الإستراتيجية الفاشلة .

إنتهت القمة لتعلن شيئا واحدا ، أن بيت العرب ( الجامعة العربية ) لا أمل فى إصلاحه من الداخل ، والسبب هو أن الجامعة صناعة غربية ، وأدت أغراضها ، فهي اليوم فى الموت السريري ، وتنتظر إقلاع أجهزة الإنعاش منها لتعلن وفاتها ، ولَم يبق لها سوى هذه التحضيرات لهذه القمم ، واستعراض العضلات لأجل إلقاء الخطابات الروتينية ذات النسق الواحدة .

إنتهت القمة ، وأعلنت البحرين أنها غير مستعدة لإستقبال الملوك والأمراء والرؤساء فى القمة القادمة ، ولكن تونس ، فى المغرب العربي ، أعلنت بشكل خجول أنها مستعدة لإستقبال الملوك والأمراء والرؤساء للقمة القادمة ، ولكن ماذا سوف يجرى فى هذه المنطقة المنكوبة ما بين القمتين ؟ لا أحد يدرى ، ولكن هناك من يدرى ، وهو من يصنع الأحداث ، أما الذين يَرَوْن الأحداث وهي تصنع أمامهم ، فلا عمل لهم سوى الإجتماع فى الجامعة ، أو فى منظمة التعاون الإسلامي لإلقاء الخطب الرنانة كعادة العرب من زمن عكاظ ، ومن مجنّة ، ومن سوق ذي المجاز .

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.