أحمد ناجي: “الأغنية الصومالية تأثّرت بنظيرتها السودانية”(حوار)

أجرى المقابلة: عبد الفتاح نور أحمد- نيروبي. 

أحمد ناجي سعد أيقونة فنية صومالية، تربّعت عرش الغناء والفن الصومالي منذ خمسينيات القرن المنصرم،وحتى اللحظة – وعلى الرغم من تجاوز عمره الثمانين عاماً- لازال نجماً لامعاً في سماء الفن والغناء الصومالي.

ارتبط اسمه بالوجدان السوداني، أو بالأحرى هو من ارتبط بالشعب السوداني، ووثق عُرى المحبة معهم لحظة لقائي معه في نيروبي- لإجراء هذا الحوار التاريخي- كان يهاتف رجلسوداني يعمل في المنظمات الدولية.

يتحدث “ناجي”  اللغة العربية بطلاقة،لم ينس الدارجية السودانية،يستحضر  الأماكن والشخوص الفنية في السودان بعفوية مطلقة،يسألك- أحياناً- عن فنّانين ماتوا وآخرين على قيد الحياة،يسترجع ذكريات الماضي التليد، ويحبس على نفسه عبرات تكاد تنهمر على خديه كلّما تذكّر عن واقعة فنية نقشت على جدار ذاكرته واقعةً لا تنمحي بمرور الزمن وتعاقب الأيام؛ أو عزيز عليه  رحل عن دنيانا الفانية من كبار الفنانيين الصوماليين والسودانيين الذين عاصرهم طوال مسيرته الفنية المديدة.

رقيق الطبع، يتفاعل مع الأحداث بمرّها وحلوّها، يتمنى أن تعود الصومال إلى سابق عهدها، يؤمن أن رسالة الفن خالدة،لا الحروب ولا المأسي قادرة على إيقاف حركة الفن والغناء.

صومالي تايمز: لو حدثتنا عن البطاقة الشخصية، المولد والنشأة؟

ناجي: وُلدتُ في مقديشو العاصمة الصومالية عام 1934 في ” بلاجو عرب” إي الحي العربي في مقديشو، بداية مشواري التعليمي في العاصمة نفسها،عشتُ في أزهى عصور التعليم الصومالي،وإن كانت لغة الكتابة بالإيطالي والعربي،الصومالية بدأنا الكتابة بها عام  1972 بدعمٍ وتشجيعٍ معنوي من قبل الرئيس الصومالي الراحل محمد سياد بري.

صومالي تايمز: حدّثنا عن بدايتك في العمل الفني وأول أغنية لك؟

ناجي: بدايتي للعمل الفني كانت عام 1956 كنتُ مؤيداً لـ” منظمة الوحدة الشبابية الصومالية” والصومال وقتها كانت تعيش في أجواء التحرُّر من قبضة الاستعمار  الإيطالي الجاثم على صدورنا نحن الصوماليين في مناطق جنوب الصومال، أما الشمال فكانت خاضعة تحت الاستعمار البريطاني، والكل كان يتوق التحرر من قوى الاستعمار  الأجنبية، والفنّان ابن بيئته، يعيش لحظات الفرح والحزن مع شعبه،ويدور معهم أينما داروا، لا يعيش الفنّان في برجٍ عاجٍ كما يتصوره البعض،يتفاعل مع الحدث الداخلي،يتألم من مأسي الوطن، يطير فرحاً عندما يحقق بلده إنجازاً مهما كان صغيراً.

كُنا نغني باللغة العربية لإيصال رسالتنا إلى المحيط العربي؛ليتفاعلوا مع الحدث الصومالي الذي يهم الأشقاء العرب،وكانت تلك الأغاني الحماسية العربية تحمل في طياتها معانٍ  كثيرة لا تنحصر – فقط- في إثارة ودغدغة عواطف الصوماليين الوطنية؛ بل حملت – تلك الأغاني-  مضامين أخرى من أهمها: تعزيز لغة الضاد في وجدان الفرد الصومالي، وإبراز هوية الصومال العربية والإسلامية، فالاستعمار لم يكن هدفه هو نهب وسلب ممتلكات شعبنا؛بل كان يسعى إلى طمس معالم الهوية العربية الصومالية.

وأول أغنية غنّيتها باللغة العربية كانت كلماتها: (يا أيها الصومال شمّروا وبادروا عونا: فاهدنا يا رب وارشدنا)، كانت تذاع تلك الأغنية وغيرها من الأغاني الوطنية في إذاعة مقديشو لاحقاً بعد تحرر الصومال من الاستعمار.

صومالي تايمز: السودان متى قمت أول زيارة لها، وما هي الأغاني التي قمت بأدائها؟

ناجي: أول زيارة لي في السودان كانت عام 1962 وكان بصحبتي كل من: الفنانة الراحلة المقيمة حليمة خليف مجول وزينب حاجي علي بحسن غنينا معاً في مسرح أمدرمان الوطني، الشعب السوداني رحبنا بنا، واحتفى بالأغاني الصومالية احتفاءً يليق بمقام الفن الصومالي.

في أول أغنية عربية غنينها أنا والفنانتيْن الصوماليتيْن كانت كلماتها كالآتي:(نحن أحبا من بدري: وبيننا صداقة أبدية: عاشوا عاشوا عبود وآدم عبد الله) في هذه الفترة كان رئيس السودان الفريق إبراهيم باعبود.

أما الأغاني التي قمت بأدائها فكانت للفنانين أمثال: محمد وردي، وسيد خليفة، وصلاح ابن البادية، وعثمان مصطفى، وعائشة الفلاتية، وعبد العزيز محمد داؤود، وعبد الكريم الكابلي وغيرهم الكثير.

أما محمد وردي فغنيتُ له أغنية ” تسعة عشر  سنة عمر زهور عمر الغرام وعمر المُنى” وأغنية ” يا ناسينا يا مجافينا حنّي علينا” وأغنية ” قاس قلبك علي ليه!”وأغنية ” أصبح الصبح لا السجن ولا السجان باقٍ”

صومالي تايمز: وبقية المغنين السودانيين ماذا غنيت لهم؟

ناجي: غنيت لهم الكثير ، وهم بالمقابل المغنون السودانيون غنوا  بالصومالية،أو كنا نترجم لهم الأغاني باللغة الصومالية، وهم بدورهم يؤدونها بطريقة جميلة جذّبت إليهم أنظار جماهير المسرح والفن الصومالي، فمثلاً سيد  خليفة عندما زارنا في مقديشو  قام بأداء أغنية: ” أزيكم كيفنكم أنا لي زمان ما شفتكم” ترجمنا له بالصومالية بنفس الإيقاع واللحن، فتهافت الناس من كل حدب وصوب للإستماع إلى أغاني هذا الفنان صاحب الصوت الشجي.

أما أغنية هاشم ميرغني ” حان الزفاف وأنا حالي كيف بأوصفه؟!” أنا وشاعر الأغاني الصومالي الراحل علي سجلي قمنا بترجمتها إلى الصومالية مع الاحتفاظ بالإيقاع واللحن، وقمتُ بأدائها فوق مسرح مقديشو.

:وهي أغنية مشهورة عند الصوماليين، وقليل من يعرف أنها ترجمه حرفية لأغنية هاشم ميرغني

Amaraa I haystee Axdigaan lahayn anigaa Offinwaaye!

صلاح ابن البادية غنيتُ له ” سال من شعرها الذهب” وعثمان مصطفى غنيتُ له ” رحلت في حالك نسيتني” وعبد العزيز محمد داؤود غنيتُ له” من فريعها البان البسوح نديان”.

صومالي تايمز: ما سر تشابه الأغاني الصومالية والسودانية؟

ناجي: السر يكمن أولا في تشابه الألحان، فكلانا نعزف من اللحن الخماسي،بالإضافة إلى تشابه المواقف والظروف، الفن الصومالي تأثر بالفن السوداني بعمق كلماته ووضوح مواقفه، وكجزء من رد الجميل للسودانيين زار ذات مرة شاعر الأغاني الصومالي المشهور حسين فارح ” المقرن” وتأثر في انسياب نهر النيل وتدفقه والتقاء النيلين في تلك البوتقة من العالم، والصومال كما هو معروف خارج دول حوض النيل، هناك نهريْ جوبا وشبيلي في الصومال، ومع ذلك ألّف حسين فارح أغنية سمّاها بـ” النيل” بعد زيارته للخرطوم قامت بأدائها الفنّانة الراحلة حليمة خليف مغول وبصوتها الجهوري العذب وهي تتمايل كأغصان الشجرة، ولازالت هذه الأغنية – وغيرها من الأغاني التاريخية-  في أرشيف الأغنية الصومالية.

والفنّان محمد ربشه- تغمده الله بواسع رحمته- له أغنية مشهورة اسمها ” الأحد” منقولة حرفاً ومعنى من آغنية صلاح ابن البادية ” السبت” وهذا دليل واضح على أن الأغنية الصومالية تأثرث كثير اً بنظيرتها السودانية في التركيبة واللحن والأداء وحتى الإيقاع.

محمد ربشه هو بلدياتي زي ما يقوله المصريون؛ أو أهل الحارة، نشأنا وترعرعنا سوياً في حي واحد، درسنا سوياً في المدرسة الإبتدائية، هو أكمل تعليمه في السودان، تخرج من معهد ” أم درمان للموسيقى والدراما” له أغانٍ سودانية مشهورة،اختلط مع الشعب السوداني لدرجة لا يعرف السوداني أن أصول هذا الفنّان صومالية.

كما قلت لك في بداية الحوار، يُعتبر محمد وردي من أكثر الفنانيين السودانيين الذين غنيتُ لهم طوال مسيرتي الفنية، أغنية ” يا ناسينا يا مجافينا” لها وقع خاص في نفسي، تأثّرت بها أيما تأثر، ولذلك قمت بنقل معانيها ودلالاتها إلى اللغة الصومالية وعزفت لها بالأورغن والعود ، وكلماتها كالتالي:Waa I xoortoo I xumaysee yaa I xaal marina

صومالي تايمز: أنت تشبه إلى حد ما الفنان السوداني عبد الكريم الكابلي،هل هذا صحيح؟

ناجي: نعم،كل من يراني من الصوماليين والسودانيين يقول لي هذا الكلام، أنا أشبهه كثيراً في الملامح والسحنات، تعرفتُ عليه في السودان ضمن مشروع التبادل الثقافي الصومالي السوداني في سبعينيات القرن المنصرم وسمعتُ أنه يقيم حالياً في أمريكا، وهو نفسه غنّيتُ له أغنية مشهورة ” شذى زهر ولا زهر فأين الظل والنهر” وهي من أشهر أغانيه.

صومالي تايمز: حالياً ما هي مشاريعك الفنية؟

ناجي: كما تعرف معظم فنّاني الصومال هاجروا إلى الخارج، عندما انهارت الحكومة المركزية الصومالية هاجرتُ إلى الخارج، استقرّ بي المقام في عاصمة الضباب لندن، في الآونة الأخيرة انحصر عملي في إقامة مهرجانات صومالية في أرض الغُربة،نريد أن نعيد الأجيال التي نشأت في الخارج، وتلقت تكوينها المعرفي في المهجر إلى حضن الفن والأدب الصومالي بعد طول انقطاع عنها، أسست فرقة فنية اسمها ” السلام” تغني للسلام والمحبة،نحيي في قلوب الصوماليين معاني التكافل والتعاضد وإعادة بناء ما تهدم من كيان الدولة.

صومالي تايمز: آخر كلمة تود أن تقولها؟

ناجي: من هذا المنبر أحيي الشعب السوداني،أشكرهم على احتضان الأغنية والفن الصومالي،وبعد انهيار حكومتنا السودان في صدارة الدول التي وقفت إلى جانب الشعب الصومالي،لا ننسى نبل أخلاقهم،أشكرهم نيابةً عن الشعب وأصالةً عن نفسي، كنتُ أود أزورهم يوما ما لأسترجع معهم ذكريات العصور الذهبية للفن الصومالي،وأنا على استعداد لقبول دعوتهم في حال ارادت الجهات الثقافية السودانية ذلك.

وأطلب من الشعب السوداني أن يصوت لي لتكريمي في لندن،آرجو أن يزوروا موقع international Of Somali Awards  وهو موقع يضم نخبة من الفنّانين والمفكرين وأصحاب الشأن في الصومال.

المصدر : صومالي تايمز

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.