حديث الوضوح والصراحة … أحمد أبو سعده … مصور الثورة الإرترية يفتح عقله وقلبه لـ ( ناود للكتاب ) (3/4)

*مازحته قائلا : نحن الآن في العام 1973 وأنت ومنذ منتصف الستينات تتآمر على سبي ، وتدخل الميدان أكثر من مرة لقوات التحرير الشعبية ، لم تتصور أن سبي كان من الممكن أن يغدر بك ، ويسترد حقه ، وهو محق في ذلك ؟ رد : لم ينتابني ولا لحظة هذا الشعور برغم تصرفاتي غير المسئولة ، وباختصار الرجل ليس من تلك النوعية . وهو عربي الوجه واللسان بقدر ماتعنيه العروبة من شهامة وكرم وإيثار ومروءة وعدم الغدر . *قلت : أخيرا وصلت إلى معسكرات قوات التحرير الشعبية ، التي أدعيت أنها غير موجودة ؟ أجاب وهو يضحك : لا ، هذه المرة وجدت قوة منظمة حديثة ، ومنضبطة ، وكانت قاعدتها في ” بليغات ” ، وأول من استقبلني من القيادة هو محمد علي عمرو ، وقد تعلم هو من الذين تدربوا في سوريا ، وشخصية على درجة عالية من الكفاءة السياسية والقتالية ، وهو أيضا القائد بعد انعقاد مؤتمر سدوحاعيلا إلى جانب الأمين محمد سعيد ومسفن حقوس ومحاري دبساي وآخرين . وقمت بجولة داخل المعسكر ، وأنا القادم المتشرب بعصبية الجبهة وعنفوانها وبطشها بالعدو ، حقيقة ومجرد جولاتي ولقاءاتي كان ينتابني أحساس أن هؤلاء الشباب سيكون لهم شأن ، لأنني رأيت كل شيء مختلف عن تجربتنا كجبهة ، وبقدر ماكنت مسرورا وسعيدا بمشاهداتي تلك ، لكنني وبحق كنت مشفقا على تجربتنا في الجبهة بل وخائفا لأنني وأنا أتابع هؤلاء كنت دوما مستصحبا للتجربة التي أعيشها في الجبهة . بعد يومين من تواجدي في “بليغات” توجهنا إلى “شعب” والتقيت مع من المقاتلين والقيادة ومن بينهم مسفن حقوس والأمين محمد سعيد واسياس وأبو طيارة وأبو عجاج وآخرين. *سألت : وهل دارت أحاديث بينك وبين هؤلاء الشباب ؟ أجاب أبو سعده : نعم تحدثوا كثيرا عن دور سوريا في دعم الجبهة ، دون أن تقدم سوريا إلى الشعبية مساعدات تذكر ، وكنت صادقا معهم في هذا الأمر قائلا يمكن الرجوع إلي القيادة السورية وليس من اختصاصي ، وأنا مهمتي تنحصر في التوثيق والتصوير . *بسرعة ، عاجلته : وهل كنت محقا وصادقا انه ليس من اختصاصك وأنت الذي تؤمن اللقاءات بالرئيس الأسد ؟ أجاب مبتسما : بكل تأكيد *قلت : حسنا . أضاف أبو سعده : تصادف وجودي في ” بليغات ” مع عملية الخلط للأطراف الثلاثة التي كانت تكون قوات التحرير الشعبية وهي الشعبية (1) بقيادة محمد علي عمرو والشعبية (2) بقيادة أسياس أفورقي وقوات التحرير الإرترية ( عوبل ) التي كان أبرز قياداتها عثمان عجيب ، وفي تلك الأيام تم أنجاز الوحدة الاندماجية بين تلك الأطراف الثلاثة بعد أن طبقوا صيغة الجبهة المتحدة لمدة عامين بينهم وتم تكوين اللجنة الإدارية الموحدة لقوات التحرير الشعبية الإرترية ، وطلب مني تصوير عملية الخلط لتلك القوة والذي تمت بشكل بديع لن أنساه وفي مكان واحد ألتقطط الصور الفوتوغرافية والسينمائية ، وهي من أجمل الصور التاريخية التي التقطتها وتبدو الصورة وكأنها ألتقطط من الجو مع ألعدد الكبير للمقاتلين وهم يرفعون أسلحتهم منادين بإلأستقلال التام لإرتريا . أيضا هناك صورة لاتزال منطبعة في ذاكرتي وهي عملية العناق وتبادل الساعات والخواتم والأشياء الشخصية بين المقاتلين بعد عملية الدمج . وبعودتي من ” بليغات ” كانت أشياء كثيرة قد تغيرت في ذهني تجاه هؤلاء الشباب ، وعلى العموم لم أكن حادا تجاه القوات نفسها ودورها فهم ارتريون وأصحاب قضية أيضا وأن اختلفت المنطلقات والمشارب . ومن فوري وبعد عودتي توجهت لسبي في بيروت لأنقل له انطباعي عن هذه القوة الجديدة ، والتي كتبت في يومياتي حينها بأنها ستكون بديلا للجبهة الأم ، إذا سارت في نفس النهج من الانضباط والتحكم والمسئولية العالية ، فالجبهة ومنذ منتصف السبعينات ، كانت حالة التقهقر بادية عليها وحالة الانحسار في أسلوب عملها أيضا كان واضحا نتيجة الصراعات القيادية وانعكاس ذلك على مستوى كوادرها . وقلت لسبي في ذلك اللقاء إن تلك القوة هي ليست من صنعك أنت ، هؤلاء مختلفون عنا وعنك ، وكنت أيضا محق في وجهة نظري . *عموما لم تعجبني وجهة نظر أبو سعدا في توصيفه لتوجهات تلك المجموعة والتي بدأت وكأنها مستوردة ، مبادرا إياه بسؤال قد يكون فيه قدر من الاستفزاز والإثارة ، قلت أستاذ أبو سعدا المؤتمر الوطني الأول الذي هيأت له مع رفاقك ، أليس هو الذي أتخذ قرار التصفية لهؤلاء الشباب ، ومحو تجربتهم ؟ أجاب وبحدة : لم أكن في يوم من الأيام إلى جانب قرار تصفية أحد ، وهناك قطاع كبير من المؤتمرين كان يرفض ذلك ، وبالطبع كنت حاضرا لذلك المؤتمر الذي عقد في “آر ” وهي بالساحل ولكن تعلم هناك البعض من أمثال حروي تدلا بايرو كانت لهم نظرتهم وهم الذين عجلوا بتنفيذ قرار الحرب الأهلية الذي نفذته القيادة التي كلفت من المؤتمر . *قلت : على العموم هي محطة سوداء في مسيرة الثورة الإرترية ، وقرار غير موفق ، ونتائجه كانت كارثية على الكل . *وقبل أن أنهي هذا المحور تبادر إلى ذهني وفاة المرحوم سبي وما قاله أبو سعدا في مناسبات سابقة حول وفاته غير الطبيعية ، فبادرته هل أنت لاتزال مصرا أن المرحوم سبي في غيابه المبكر فعل فاعل ؟ *وبنفس الإصرار الذي أبداه في مرة سابقه تجاه نفس الموضوع : أجاب : سبي كانت هناك أكتر من جهة لها المصلحة في أبعاده عن مسرح الحياة . *وأشار لجهة إقليمية وأخرى إرترية ـ أتحفظ عن ذكرهما ـ قال إنهما أصحاب مصلحة في أبعاده عن مسرح الحياة ، وقد أثارتني طريقة ربطه للأمور على هذا النحو ، وبعد أخذ ورد قلت له لا أوافقك في هذا الرأي عموما ، وألأختلاف في الرأي لايفسد للود قضية . فأجاب : الأيام ستبين صدق معلوماتي *قلت دعنا نتحدث عن محور آخر ، الحديث عن تجربة جبهة التحرير الإرترية ، لايكتمل دون التطرق للتنظيم الحزبي الذي كان بداخلها وهو” حزب العمل الإرتري” وحقيقة لم أكن متوقعا أن تكون هناك إجابات ذات معنى في هذه الجزئية لولا ما فاجأني به في حديثه قائلا ً : تعرف في تلك الفترات كانت موضة اليسار والديمقراطية والشعارات الرنانة في الرفاقية والمساواة ، ومن أبرز الشيوعيين الإرتريين تاريخيا محمد سعيد ناود الذي تأطر وتأدلج داخل الحركة الشيوعية السودانية ، وهناك ألأستاذ الزين يسين هؤلاء بالإضافة للمرحوم طه محمد نور الذي كان عضوا في الحزب الشيوعي الإيطالي في وقت مبكر أثناء دراسته في روما ، هؤلاء هم الأبرز بالطبع دون أن نغفل الآخرين وربما لايتسع المجال لذكر كل من انتمى في صفوف الحركة الشيوعية ، ولكن هؤلاء لأنهم أما مؤسسون للحركة وأما من التحقوا بالجبهة في وقت مبكر . وبالمناسبة الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وفي مرحلة قوات التحرير الشعبية تكّون بداخلها حزب الشعب الثوري ، وبالمناسبة تكون هذا الحزب قبل انعقاد مؤتمر سدوحاعيلا سنة 1971 ، أي مؤتمر حزبهم كان سابقا لمؤتمر التنظيم ، وقد تمت أدلجته بواسطة الرفاق اليمنيين الجنوبيين وبعض الفلسطينيين من جماعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ومن أبرز قيادات حزب الشعب الشهيد أبوبكر محمد حسن وهو مهندس جيولوجي ومدير مدرسة الكادر في قوات التحرير الشعبية ، والشهيد أحمد هلال وكلاهما استشهدا في الحرب الأهلية مع الأسف . هنا قاطعته : سألتك عن حزب العمل فرد : نعم ، ولكن وددت أن يتعرف القارئ على جذور الحركة اليسارية في الثورة الإرترية . *قلت : مؤخرا تم الإعلان وبشكل مفصل في واحدة من النشرات الداخلية التي تصدرها الجبهة الشعبية عن حزب الشعب الثوري ودوره في الحياة اليومية للتنظيم . *وهنا لاحظت أمارات الجدية في تقاسيم وجه أبو سعده وكأنه يتهيأ لحديث يفيض بالقوة : فقال : أنا من مؤسسي حزب العمل الإرتري *قاطعته : أنت مؤسس ؟ أجاب بلهجة فيها قوة : نعم ، أنا إلى جانب الزين يسين وهناك آخرين ومنهم عبد الله إدريس وعبد الله سليمان في مرحلة لاحقة ، أيضا صالح أياي وأحمد محمد ناصر الذي كان متخرجا حديثا في الكلية العسكرية العراقية . وقد كنا نهدف من تكوين الحزب إلى ضم العناصر الأكثر وعيا وتقدما في الجبهة ، والى العناصر صاحبة المصلحة الحقيقية في الجبهة من أجل أن تكون فاعلة وجادة في تنفيذ برنامج حركة التحرر الوطني الديمقراطي .

http://www.adoulis.net/entry.php?id=1939

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.