لج إياسو الإمبراطور غير المتوّج

بقلم / عبــد الكـريم الحنــي

بموت كلّ من رأس مكونّن و رأس منجشا سنة 1906م اللذين كانا طامعين في خلافة مينيليك على العرش أصبح الطريق مُعبّدا لــلج إياسو للوصول إلى عرش إثيوبيا ، وقد وقع عليه اختيار جدّه لما لمس فيه من قدرات قياديّة تؤهّله لحكم الإمبراطورية. ولكنّ الظروف التي أحاطت بصعوده إلى العرش ثمّ انقلاب نبلاء ( شوا ) عليه وتلفيقهم رواية عن عهده تبرّر تحرّكهم ضدّه ألقت على تلك الفترة ظلالا من العتمة . 

يقول مؤلفا كتاب ( حياة وعهد لج إياسو ) : إن فترة حكم لج إياسو القصيرة التي تخلّلتها صراعات داخليّة شرسة على السلطة في سياق أجواء الحرب العالمية الأولى يلفّها الغموض حتى عند الباحثين المتخصّصين ، ومع ذلك فإن ظهور مصادر جديدة في العقدين الأخيرين عن تلك الفترة استدعى طرح أسئلة جديدة ومن ثمّ البحث عن أجوبة جديدة.

إياسو من مواليد سنة 1895م وبدأ معالجة أعباء الحكم من حين وفاة الوصيّ على العرش ( تسمّا نادو ) سنة 1911م  وقبل وفاة جده مينيليك بسنتين 1913م والذي انسحب عن أداء مهام الحكم بسبب عجزه .  ممّا يعني أن عمره آنذاك كان 16 سنة ..  ووقع أسيرا بيد أعدائه سنة 1921م ، وكان عمره حينئذ 26 سنة . يتحصّل من هذا أنّ إياسو قضى 11 سنة في الحياة السياسية. 

واجه حكم إيّاسو تحدّيا داخليًّا وخارجيًّا : 

  • التحدّي الداخلي تمثّل في عداء الكنيسة حيث اتهم بالارتداد عن المسيحية واعتناق الإسلام ، وهي تهمة وإن تجد هوى في نفوس المسلمين فإن بعض القرائن التاريخية تشير إلى أنّه ظلّ على مسيحيته وأنّ خصومه هم من روّج لذلك لتبرير إجراءات عزله و الانقلاب عليه. وقد ذكر بعض الكتّاب عن سلطان أوسا السلطان على مرح حنفري أنّه يتذكر في طفولته تخصيص إقطاعيّة في أراضي السلطنة للإمبراطور المستجير وأنه كان يمارس شعائره المسيحية ويتعبد بطقوسها. 
  • رجال الحرس القديم الذين فقدوا مناصبهم وامتيازاتهم السابقة ، إذ كانوا يرون أنفسهم أصحاب الفضل في توسيع الإمبراطورية وتوطيد أركانها ، فيأتي صبيّ تحت الوصاية فينزع عنهم كل ذلك. 
  • صِغر سنّه الذي أطمع من توسّم في نفسه القوة بالاستيلاء على العرش ، كمحاولة رأس ( أباتي بايّالو) الذي حاصر القصر في أديس أببا وتبادل إطلاق النار مع الحرس.. وقد يكون لصغر سنّه  دور في تسرّعه في اتخاذ قرارات غير مدروسة ألّبت عليه الأعداء من الداخل والخارج.. ومع ذلك فإن الإصلاحات التي قام بها تدلّ على عبقريته السياسية وإرادته الصادقة في بناء دولة تتسع للجميع. وقد أشارت بعض الكتابات التاريخية إلى أنّه تلقى تعليما حديثا وأتقن اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية.. وبذلك يكون قد اجتمع له الموهبة القياديّة الفطريّة و المهارات المكتسبة بالدراسة والتعلّم.
  • التحدّي الخارجي متمثّلا في القوى الاستعمارية المحيطة بأطراف الإمبراطوية .. الإنجليز من السودان والصومال . الفرنسيـين في جيبوتي . والطليان في إريتريا والصومال. وقد كان لسياسته المعادية للقوى الاستعمارية ، ووقوفه إلى جانب الحركات المناوئة لهم ، كما فعل مع المناضل الصومالي سيد محمد عبدالله ( الملّا ) دور في إثارة حفيظة المستعمرين. 
  • تزامن حكمه مع فترة الحرب العالمية الأولى و اختياره الانضمام إلى المحور التركي الألماني الذين وعدوه بالاعتراف بسيادته على الأراضي المطلّة على البحر بعد إزاحة الإنجليز والفرنسيين والطليان ، و إقراره على ما سوف يضمّه من أرض جديدة إلى إمبراطوريته ، وذلك من أجل قطع الطريق على الإنجليز وحلفائهم وإشغالهم بالجبهة الأفريقية ليخفّ الضغط على الألمان في الجبهة الأوروبية .. وهذا كان قاصمة الظهر بالنسبة لإياسو فقد اعتبرت القوى الاستعمارية ذلك بمثابة إعلان حرب وقرّرت دعم خصومه في الداخل وتدبير انقلاب عليه. 

يقول بعض الدارسين : لولا قيام الثورة العربية على الحكم العثماني في الضفة الشرقية من البحر الأحمر ، و إساءة استخدام لج إياسو أوراق لعبته ، فلربما كانت النتائج اختلفت عما آلت إليه ، و أصبحت ورطةً كارثيّة لبريطانيا وحلفاءها .

pastedGraphic.png

وفعلا نجحت القوى الاستعمارية في ترتيب الأوضاع وتجميع المناوئين لحكمه وإقناع الكنيسة بإعلان خلعه عن الحكم ، ولم تفلح محاولاته ولا محاولات أبيه ( نغوس ميكائيل ) لا ستعادة العرش ، وقد اعتبرت معركة ( سغلي Sagale) التي خاضها رأس ميكائيل بـثمانين ألفا من جنوده أشرس معركة خاضها الإثيوبيون بعد معركة ( عدوة ). 

اغتيل إياسو سنة 1935م وكان عمره آنئذ 40 سنة.

  • الإصلاحات الاجتماعية والسياسية التي قام بها إياسو :

بخلاف الرواية الرسميّة التي أطلقها خصومه المنتصرون والتي تصوّره مستهترا متهتّكا عديم الأهليّة عرّض كيان الدولة لخطر الانهيار فإن لج إياسو كان قائدا إصلاحيا قام بالعديد من التغييرات التحديثية لتخليص إثيوبيا من بقايا التقاليد الإقطاعية القديمة :

  1. إلغاء نظام ( القُرانِّيا Quragna  ) الذي بموجبه يسلسل المتّهم مع المدّعي والدائن مع المدين حتى يصدر بحقهم حكم قضائي.
  2. إلغاء نظام ( ليبا شاي ) .. وهو نظام للتحقيق وكشف المجرمين ، و بموجبه يسقى صبيّ عقارا قويًّا فيهـيم الصبيّ على وجهه بتأثير ذلك العقار والبيت الذي يدخله يعتبر صاحبه هو المذنب. 
  3. أسّس شرطة للمدينة سمّيت بـ ( ترنبلّلي ) لأنّ معظم المنتسبين إليها كانوا من الجنود الذين سبق لهم الخدمة في تريبولي ( طرابلس ) في ليبيا .
  4. تبنى سياسة دينية متوازنة وإدماج المسلمين المهمشين في كيان الدولة . وقد كانت له زوجتان إحدهما مسلمة ، وأخرى مسيحية . وقام ببناء مسجد وكنيسة . وزيجاته المتعدّدة كانت تهدف إلى بناء تحالفات سياسية مع الزعامات التقليدية في الأقاليم. وتوطيد مركزه في مواجهة الخصوم الذين يكيدون له ويتآمرون عليه.
  5. تخلص من الحرس القديم وقام بتعيينات جديدة في المناصب الحساسة والأقاليم .. حيث أقال كل من : هبت جيورجيس ديناجدي ، و بلتشا سافو ، وتفري مكونّن ( هيلاسيلاسي ) لاحقا ، وعيّن آخرين مكانهم.
  6. رقّى والده رأس ميكائيل ليصبح ملك ولّلو وتجراي ، وقد كان ذلك موضع ترحيب عند تلك المقاطعات لأنها كانت تعني مزيدا من اللامركزية والاستقلاليّة ، وخلاصا من النّزعة المركزيّة التي كانت تنتهجه نخبة ( شوا )

والفقرة الأخيرة التي تحدثت عن إصلاحات إياسو مستخلصة من كتاب ( تاريخ إثيوبيا Ethiopian History ) من تأليف كاتبين إثيوبيين Tadesse Dilessa    و Girma Alemayehu .

** المصادر :

https://www.globalsecurity.org/military/world/ethiopia/negus-negusti-iyasu.htm

https://www.bbc.com/news/world-37428682

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.