جــيبوتي.. حـــــــــــــــــــرب أهليــــــــــــــة قادمـــــــــــة

تعد جمهورية جيبوتي من أكثر الدول استقرار في العالم، وهي الدولة الوحيدة التي تنعم بالسلم الاجتماعي – حسب المفهوم الضيق للأمن- منذ استقلالها من الاستعمار الفرنسي، حيث لم تشهد هذه الدولة – الصغيرة مساحة والكبيرة في جغرافيتها السياسية- سوى حرب أهلية واحدة في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، والتي انتهت باتفاقية “أبعا” في عام 1994 بين الحكومة وجناح أوجري FRUD.
هل يعكس عدم قيام أية حرب أهلية جديدة في جيبوتي بعد هذه الاتفاقية عن مدى توفر العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة؟
وهل السلام الذي تنعم به هذه الجمهورية سلام حقيقي لا تشوبه القبلية والمحاصصة العنصرية لتولي المناصب .. والثروة؟
وهل جيبوتي بمنأى عن قيام حرب أهلية جديدة.. ومالذي يمنع من قيامها في ظل غياب العدالة والمساواة السياسية تحت حكم الرجل الواحدة؟
فإن السلام الذي تنعم به جيبوتي ما هو إلا سلام فوق بركان من العنصرية القبلية، بركان لا يحتاج سوى كلمة أو أغنية حماسية لينفجر، إذ كل قومية أو قبيلة تتحسس عن ذكر أخرى، وذلك لأسباب كثيرة منها:
1- غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة والسلطة
2- غياب الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
3- احتكار المناصب القيادية في الدولة والحساسة، حيث تحتكر قبيلة واحدة معظم مراكز النفوذ.
4- تهميش المناطق الشمالية التي تسكنها القومية العفرية؛ إذ تفتقر هذه المناطق لأدنى أساسيات التنمية، فالعاصمة الأولى لجمهورية جيبوتي (أبخ) خاوية وكل مبانيها تكاد تقع على ساكنيها، ولا توجد بها ثانوية واحدة لحد اليوم.
5- الاستلاب الثقافي الذي تعانيها القومية العفرية، إذ تُفرض عليهم اللغة الصومالية – رغم أن اللغة الرسميتان للوطن العربية والفرنسية بالترتيب – من قبل الحكومة، فرئيس الجمهورية إسماعيل عمر جيلة هو أول من ينتهج نهج فرض لغة قومه .. كل خطاباته الرسمية داخل البلد بالصومالية حتى وإن كان في زيارات للمناطق الشمالية ( تاجورة، أبخ: سكان هذه المناطق لا يطنقون بالصومالية ولا يفهمونها إذا خوطبوا بها) أو ديخيل الذي غالبية ساكنيه من العفر وبعض مناطق عرتا التي يسكنها العفر، فكأنها لغة رسمية للبلد ولابد منها.. وكما لا ننسى أنه فتح معهد للغة الصومالية بينما قُوبل طلب جمعية القلم العفري (PEN AFAR) بالرفض بنفس العام لفتح معهد مختص باللغة العفرية.. حدّث ولا حرج بما يحدث في القناة RTD1 التي تبث على عرب سات بين عشرة أغاني صومالية أغنية عفرية يتيمة، وما يزيد المصاب ألما أن خطاب الرئيس في حفل استقلال الوطن باللغة الصومالية، والمواطن العفري مجبر على أن يستمع إليها وقد يستعين بالمترجم لفهم محتواها.
فرض اللغة ما هي إلا دلالة واضحة وصريحة تعكس الاضطهاد والعنصرية، فالعمستعمر الفرنسي كان يمارس نفس السياسة للسيطرة، وكان التحضر في العهد الاستعماري مرتبط بالتحدث باللغة الفرنسية والعيش بالأسلوب الفرنسي؛ وهذا ما يهدف إليه الرئيس بصوملة اللغة والأسلوب.. إن كنت عفريا من المؤكد أنك صادفت صوماليا يتهمك بالجهل أو يشك في وطنيتك لعدم تحدثك باللغة الصومالية!!
هل الرئيس عنصري؟
“القبيلة مرض فتاك تصيب معظم الشعوب ولكن مرضها يزداد فتكا وتفكيكا للمجتمع عندما يصاب بها المسؤول ويمارس على أساسها السلطة…”
هذا كان رد الرئيس اسماعيل في معرض إجابته على سؤال مواطن شاب في قصر الشعب، وذلك عندما قال له الشاب: “الوساطة القبلية تحرمنا من التوظيف المناسب لما درسناه..لا نُسأل عن الشهادة ولكن يتم سؤالنا عن قبيلتنا”.
رد الرئيس جميل وصحيح نظريا ولكن تأملوا معي أنّ الرئيس خاطب الشباب باللغة الصومالية وكان رده على الشاب بالصومالية أيضا .. ألم يكن في القاعة إلا الصوماليين؟ أليس لهم الحق في فهم ما يجري أم أنه مطّلع على أن من في القاعة كلهم يتحدثون أو يجيدون الصومالية؟
ألا ينطبق على سيادتكم قول ” أن المسؤول إذا أصابته الجاهلية القبلية فتك بلحمة المواطنة وزاد المجتمع تفرقا؟
هل العدل والمساواة تحتم أن تفرض لغة قومِ في مقابل تهميش نظيرتها في الوطن؟.
“سيدي الرئيس أتمنى أن تراجع قائمة الأسماء لأصحاب مراكز النفوذ في الدولة.. لتتبين أنك مصابٌ بالقبلية وإنك المسؤول عن تفكيك اللحمة الوطنية، وفي كل خطاب تؤكد للفصيل الثاني المكون للوطن بأنهم ليسوا مواطنين .. سيدي الرئيس لا تطلب الوطنية ممن تقتل في داخلهم كل ما قد يحنّ للوطن”

مواطن حر

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.