العلمانية كبديل2 ((دواعي الاستيراد)).

✍ الدكتور/كمال القطوي

🌳حاول الجزء الأول من المقالة الوقوف على معالم مفهوم “العلمانية” من خلال تتبع سياقها التاريخي وتعريف روادها، وخلُصت المقالة إلى أن المنظور العلماني في حده الأدنى فصل الدولة عن الدين، وفي حده الأعلى دهرنة الحياة وإزاحة الدين من منصة التوجيه، أو بتعبيرهم فصل الحياة عن الدين. ويحاول الجزء الثاني فهم دواعي الاستيراد فأهم ما تبقى من مبررات الاستيراد العلماني يكمن في مسألتين: الهروب من الكهنوت الديني، وجلب الديمقراطية التي لا يمكن لها المجيئ إلا فوق عربة العلمنة!

🌵مشكلة الكهنوت :
يزعم الهاربون من منظور الإسلام في الحكم أن العلمانية ملجأً آمناً لتحرير الدولة من هيمنة الكهنوت! وهو زعم لا يثبت عند التمحيص؛ فالدولة كآلة لا يمكن لها أن تشتغل في فراغ، إذ لا بد لها من مرجعية تنطلق منها وتقايس عليها تصرفاتها، وهذه المرجعية إما أن تكون ديناً سماوياً أو ديناً أرضياً، وقد رصد الفيلسوف طه عبد الرحمن معالم ذلك الدين الأرضي الذي دبجه فلاسفة أوروبا ليكون بديلاً للدين السماوي في كتابه “بؤس الدهرانية” وتتبع محاولاتهم تأسيس مرجعية أرضية للأخلاق سواء كانت “الدين الطبيعي!” كما هي عند “جان جاك روسو” أو المجتمع كما هي عند “دور كايم”(1917م) أو العقل كما نظّر لها “إيمانويل كانط”(1804م)، مما يؤكد حتمية المرجعية لحركة الإنسان، وخلص من حفرياته الدقيقة إلى أن الهوى هو المرجع النهائي للعقل العلماني (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ) [الجاثية:23].

🙈 وقد استوقفني خبر ظريف قبل فترة عن تناقض القانون الأمريكي الذي يمنع الأطفال دون 18 سنة من شراء المجلات الإباحية في حين يجيز لهم شراء الأسلحة النارية، ويتضمن القانون زواجر رادعة لمتعاطي المخدرات ويغض الطرف عن الخمر رغم تتابع الدراسات العلمية على خطورة الخمر وجنايته على صحة وأمن الناس، من أواخرها دراسة جامعة جامعة أوكسفورد البريطانية التي تُثبت أن “عدد وفيات الإدمان على الخمور يفوق عدد ضحايا مرض الإيدز والملاريا والسل ، وهنالك عشرات الأمثلة لمثل هذا التناقض لأن المرجعية العليا مختلة. في حين لا تمتلك أي سلطة في الإسلام حق التحليل والتحريم النهائي إلا الخالق العليم، فعن أي كهنوت يتحدث مروجوا العلمنة؟!

🕌 ولا أروع من الحل النبوي الذي يجعل الوحي مرجعاً مقدساً، وينظر لتطبيقه كاجتهاد نسبي يمكن أن يوافق الوحي أو يفارقه؛ ففي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمرائه: (وإذا حاصرتَ أهلَ حِصنٍ، فأرادوك أن تنزلَهم على حكمِ اللهِ، فلا تنزلْهم على حكمِ اللهِ . ولكن أَنزِلْهم على حكمِك . فإنك لا تدري أُتصيبُ حكمَ اللهِ فيهم أم لا) .فيصير اجتهاد الحاكم تصرفاً بشرياً لا قداسة له، يراعي موجهات الوحي قدر الإمكان، ويمكن أن يصوبه أي مواطن فيتراجع عن قراره مردداً قَولة الفاروق: (أصابت امرأة وأخطأ عمر) .

🏛متلازمة الديمقراطية والعلمانية:

حتمية تلازم الديمقراطية مع العلمانية كما يصور بعض العلمانيين تشبه ما تعمله المتاجر حين تروج لبضاعتها الكاسدة بهدية ثمينة تغري الزبون على الشراء!
مع أن الدارسين بعمق للمسألة العلمانية توصلوا إلى أن العلمانية تنتج ديكتاتوريها إذا ما أصرت على فرض رؤيتها المحورية “نزع القداسة عن العالم” فمقاومة العلمانية الفرنسية للحجاب – وهو مسألة شخصية – صورة من صور الديكتاتورية، ومن يتابع خطاب التبرير الفرنسي يلمس خطاباً ايدلوجياً يدافع عن دين العلمانية!

والديمقراطية في أبهى تجلياتها حكم الشعب بنفسه، وهذا الشعب قد يعتمد المرجعية العلمانية أو الإسلامية أو أي مرجعية يقايس عليها اختياراته، ولا ضرورة لهذا الالتحام سوى عند من تحولت العلمانية عندهم إلى ايدلوجيا فلا يمكنهم بيع الديمقراطية إلا بجوار العلمانية!
والذين يرطنون بالقيم الغربية وكأنها قيم عليا للبشرية لم يستطيعوا أن يميزوا بين الديمقراطية كآليات يمكن لها أن تشتغل في أي بيئة حرة، وبين حمولة الغرب التي لا تعني الكثير من أبناء البشر شيئاً.

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن المحرر المحرر

شاهد أيضاً

وزير دفاع حكومة صنعاء في زيارته الميدانية يخذر من العواقب إذا استمرت دول العدوان في جرائمها.

جريدة السلام – متابعات خاصة . قام وزير الدفاع في حكومة الانقاذ الوطني بصنعاء اللواء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.