د. أمينــــــة العريمـــي

السودان ومدري بحري*

د.أمينة العريمي 

باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي

تمت المُصالحة الأرترية الأثيوبية في غفلة من الزمن، فلقد تفاجىء العالم كما الشعبان الأرتري والأثيوبي اللذان لم يتوقعا أن تتحقق تلك المصالحة بعد عقود حُصدت فيها أرواح الكثيريين، وضُجت المُعتقلات بأبرز المُفكرين والعلماء منهم من قضى نحبه قهراً ومنهم من غُييِب وفًرض عليه الإستقرار مجهولاً هناك خارج دائرة الزمن.

تدوالت أجهزة الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي في أنحاء معمورة عن وجود طرف دولي كان أمراً ومُساهماً بدفع أسمره وأديس أبابا قدماً نحو المصالحة  وهذا بكل تأكيد قد حدث، فلا يمكن أن يكون الطرف الثالث الذي قاد تلك المُصالحة التاريخية إلا طرف دولي (واشنطن) ومن ورائها تل أبيب التي تتشابك مصالحهما القديمة المُتجددة في أسمره وأديس أبابا مُتمثلة في الشركات الإستثمارية والعقارية إلى المشاريع الأمنية الإستخباراتية ومنها مشروع الجذور، أما الحديث عن وجود دول خليجية ساهمت بتلك المصالحة فأعتقد أن الموضوع عار عن الصحة، فدول الخليج العربي ليست بالقوة ولا بالإرادة التي تُمكنها من لعب هذا الدور وكثيراً ما أكدتُ أن العلاقات الخليجية الأفريقية إن كان مُقدراً لها أن تنجح فإنها ستنجح بإرادة دولية وليست بإرادة خليجية ذاتية، فدول الخليج وللأسف لا تمتلك رؤية مُستقبلية إستراتيجية حقيقية تجاه القارة الأفريقية ناهيك عن منطقة القرن الأفريقي الذي بدأت أهميته تتكشف لمهندسي صنع القرار السياسي الخليجي بعد أن وجدوا الأمن القومي الخليجي مُهدد في جنوب الجزيرة العربية، وبالتالي على دول الخليج العربي جميعاً إنتهاج سياسة عقلانية موضوعية في القرن الأفريقي، فالتحالف مع طرف ضد طرف أخر سيقود إلى خسارة الطرفان وبالتالي خسارة المصالح الخليجية التي كان من الممكن أن تتحقق لو تم أخذ الأمور بوسطية وروية ومرونة.

في دراسات علمية سابقة أشرتُ إلى أن هناك ضغوطاً ستُمارس على جيبوتي والصومال، ستُمارسها أطرافاً إقليمية مدعومة بقوى دولية وهذا لا أظنه كان مُفاجئاً لحكومتي محمد فرماجو وعمر جيلي، إلا أن جيبوتي قد تكون الأكثر إتزاناً على مستوى الإقليم لكونها الأكثر توقعاً لحدوث ذلك قبل الصومال، ولا أعتقد أنها ترى في تلك المُصالحة بين أسمره وأديس ابابا تحدياً حقيقياً لها، وإن كانت ترى في ذلك تحدياً فهو بالتأكيد ليس لدرجة الخطر المُحدق بالصومال، فجيبوتي تمتلك أوراقاً مهمة لا يمكن لأي إستراتيجي التغاضي عنها : فإلى أهمية موقعها الإستراتيجي تتمتع جيبوتي بإستقرارسياسي وأمني حقيقي قل نظيره في منطقة القرن الأفريقي وهذا الذي جذب إليها القوى الدولية والإقليمية التي حطت رحالها على شواطئها تبتغي مكاناً لقواعدها من الولايات المتحدة والصين، وباريس إلى كوريا الشمالية واليابان ، فواشنطن تُدرك أن عودتها فعلياً لمنطقة القرن الأفريقي من بوابة الصومال لن تكون سهلة ومن ناحية أخرى يُقلقها التفوق الصيني في أفريقيا عموماً الذي بات الأساس الحقيقي لأفريقيا جديدة، ومن ناحية ثالثة هناك التواجد التركي الذي وجد في الصومال أرضية رحبة ومُشجعة ومُرحباً بها شعبياً قبل كل شيء وهذا ما سيعطي أنقرة مُستقبلاً كلمتها التي يقول المؤرخون الأتراك أنها دفنتها في سواكن السودانية وسمُع صداها في أرض الرمح والأبل “الصومال”.

أما وقع تلك المصالحة على الداخل الأثيوبي والأرتري، فنرى أن أسمره قبلت المُصالحة مع أديس أبابا ليس لأنها غير قادرة على إستمرار الحرب معها ولكن لأن مردود هذه المُصالحة أكبر من أن يُرفض، أضف إلى ذلك أن التقارب التصالحي مع أثيوبيا سيعطي نظام أسياس أفورقي قبولاً على المستوى الإقليمي والدولي، وسيزيد نظام أسمرة قوة ضد الداخل الأرتري الذي قد يكرر إحتجاجاته الشعبية، وسيُضعف في نفس الوقت قدرة المُعارضة الأرترية في الخارج ويُعرقل هدفها بإقامة حكومة أرترية وطنية حقيقية، هذا فضلاً عن تضاعف القبضة الأمنية للنظام الأرتري، ناهيك عن مُسلسل الإغتيالات السياسية الذي طال شخصيات عامة من أبناء أسمره ودول الجوار، وأخيراً تدرك القيادة الأرترية أن أثيوبيا لا تنظر إليها إلا بنظرة التابع المُتمرد، ولكن يبقى السؤال هنا هل ما زالت أثيوبيا تتذكر ما قاله ذات يوم أندلكاشو ماساي المندوب السامي الأثيوبي في أرتريا عام 1955 أنه لا توجد هناك شؤؤن أرترية بل هناك شؤون أثيوبية، وفي المقابل هل سينسى شعب أرتريا ما قاله الأمبراطور الأثيوبي هيلي سيلاسي أن تحرر أثيوبيا لن يكون كاملاً إلا بالحصول على منفذ بحري؟

 أما اثيوبيا فلقد ترك هايلي مريام ديسالين خلفه تركة ثقيلة لم يستطع أن يتجاوزها  وورثها أبي أحمد الذي قرأ الواقع الداخلي والإقليمي والدولي وعمل على أساسه، ويبدو أن الوضع الداخلى الأثيوبي أعقد مما نظن، فأمام أبي أحمد عدة ملفات هامة: كرغبة الأمهرا في تغيير الدستور، وصومالي أثيوبيا (أوغادين) الذين على خلاف مع الأورومو في عدة مناطق متفرقة من أثيوبيا، والثالثة الأثافي هي إرتفاع أصوات المُتعصبين من عرقية التيغراي ومطالبتهم بالإنفصال بسبب ما أكدوه من عزم رئيس الوزراء الأثيوبي بتسليم منطقة بادمي المتنازع عليها إلى أسمره.

 من المعروف في علم الأزمات الدولية أن المُصالحة بين طرفين مُتنازعين لا تتحقق إلا بالإتفاق على حل جذري للإزمة وإعلانه للجمهور وعلى أساسها تتم المُصالحة، ولكن المُصالحة الأثيوبية الأرترية كسرت تلك القاعدة وجاءت مُختلفة وغريبة عما شهده علم الأزمات الدولية من شواهد وأمثلة، فالطرفان إتفقا على إيقاف الحرب وإستئناف الرحلات الجوية بينهما، ولم يتحدث الطرفان بشكل علني لشعبيهما بشأن منطقة بادمي التي كانت سبباً في الحرب الأثيوبية الأرترية لعشرين عاماً، وكأن الطرفان يريدان المضي قدماً إلى الأمام وترك الملفات الشائكة بينهما لوقت أخر.

نتائج المصالحة الأثيوبية الأرترية على دول الجوار 

من خلال الزيارة الحالية التي يقوم بها الرئيس الصومالي محمد فرماجو لأرتريا أرى بأن أسمره ومن ورائها أديس أبابا تدركان الخط السياسي “المُختلف” الذي تنتهجه الصومال في عهد الرئيس فرماجو وبالتالي المُراهنه على تحالف صومالي حقيقي مع أسمره وأديس

د. أمينــــــة العريمـــي

ابابا غير وارد، أما جيبوتي فلن تخسر أثيوبيا والعكس صحيح، ولابد أن هناك إجتماعات عُقدت أو ستُعقد بين الطرفين الأثيوبي والجيبوتي لطمأنة جيبوتي بأن تلك المُصالحة لن تكون على حساب جيبوتي، ولكن إلى أي مدى سيستقبل الطرف الجيبوتي ذلك؟ ، أما كينيا فتريد أثيوبيا قوية كما كانت تعتمد عليها نيروبي، وتدعمها خاصة إزاء القضايا العالقة مع الجانب الصومالي، فنيروبي بحاجة إلى قوة أثيوبيا في الإقليم وإستشارتها في العديد من الملفات ، بقت السودان التي تراقب بحذر ما أسفرت عنه تلك المُصالحة وما يمكن أن يحدث في سواحلها الشرقية ،  فالجانبان الأرتري والأثيوبي يُدركان الدور الذي لعبته الخرطوم قديماً والذي يمكن ان تلعبه اليوم إذا تم التجاوز على مصالحها أو تهديد أمنها، ويبدو أن أديس أبابا أكثر حرصاً على عدم إستفزاز الخرطوم من مدري بحري ( أرتريا)، ويكفي أثيوبيا أن تعي أن العديد من الشخصيات الدبلوماسية السودانية التي مثلت الخرطوم في أديس أبابا ما زال ينظر إليها الشعب الأثيوبي بصفة “نصف حاكم” لأثيوبيا مثل عثمان السيد السفير السوداني الأسبق في أثيوبيا، وبالتالي هناك ثلاثة نتائج للمصالحة الأثيوبية الأرترية أمام السودان :

الأول: أرى بأن الخرطوم ستعدد تحالفاتها الإقليمية وأستبعد أن تقلل من قيمة تحالفها مع موسكو وأنقره خاصة أن الخرطوم ترى أنها لم تحقق مصالحها المنشودة من تحالفها مع دول الخليج العربي. 

الثاني: في حالة إقامة منطقة تجارة حرة بين أثيوبيا وأرتريا  فهذا لا يعني إلغاء الإتفاقية المُبرمة بين الخرطوم وأديس أبابا والتي تقضي بإستئجار جزء من ميناء بورسودان لمدة خمسين عاماً.

الثالث: من المرجح أن تعاود أسمره مدعومة بأطراف إقليمية إستفزاز الخرطوم على سواحلها الشرقية إلا أن ذلك الإستفزاز سيكون في إطار الحرب النفسية لا أكثر هذا إذا إفترضنا إستمرار السودان في تحالفاتها الإقليمية مع روسيا وتركيا.

*مدري بحري وتعني بلغة التيقراي أرض البحر وهي إرتريا

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

2 تعليقان

  1. والبحر أسمه البحر الحمر ….

  2. *مدري بحري … تعني بلغة التقراي عرض البحر وهي إرتريا … لحدي هنا تمام

    لكن السؤال ما دخل لغة التقراي اﻷثوبيين بإرتريا ؟؟؟!

    ارتريا اسمها ارض صدق من قديم الزمان يعني قبل ان يعرف التقارو أن في دولتهم الجوية بحر .

اترك رداً على لاجئ إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.