النظرة التي لم تكن لي (٣) … رواية شريفة العلوي


خرجنا من مكتب المدير واتجهنا فورا إلى الشارع العام لنستقل سيارة أجرة الى البيت على ان نبدأ العمل في الغد
ونحن عائدون لم تنتظر سعاد حتى نصل البيت لتسألني عن الأمر الذي كان سببا بتوتري في الصباح , كنت أظنها نسيت الأمر برمته ..
و هذا يستحيل مع فضول سعاد.. فالفضول يأكلها .. إن لم تحتو الموضوع من كل جهاته لتعمل منه سيناريوهات خرافية لن يهدأ لها البال
..الى جانب جنونها للإعادة والتكرار في نفس الموضوع ..

سعاد صديقة الطفولة التي تسكن بالقرب من بيتنا
وزميلة الدراسة خلال سنوات عديدة تبادلنا فيها الحلو والمر,
نتزاور يوميا على الاكثر إن لم يكن هناك اسباب قوية تمنعنا
لم تكن لنا اسرار خاصة مثل البنات ..
ولكن كنا نستمتع بأحاديث البنات وحكاياتهم في المدرسة
وكنا نكتفي بهذا كما كنا دائما نخترع الحجج لنتزاور , عندما تزورني أقوم بتوصيلها الى بيتها ثم هي توصلني الى بيتي وكنا نظل على هذا المنوال وكان يدعم ترابطنا ببعض صداقة والدتي بوالدتها لكن زياراتهن لم تكن تتعدى الواجبات والمناسبات ..
لهذا أن غبت عن بيتهم أيام أو غابت سعاد عن بيتنا أيام كن يتساءلن عن السبب ..

ظللت في حيرة أأخبرها أم أطوي على الموضوع غلاف الكتمان
وربما لن أقابل هذا الغريب ثانية ..
ومع هذا لا يمر هذا الموضوع دون أن نتوقف أمامه , فمثل هذه الحكايات قوت القلوب, والبنات يسعدن بالتصور والخيال , وينطلقن في أدغال الأحلام , وربما هذا جزء من الإشباع العاطفي الذي يخلق توازنا في حياتهن ربما ..

الغدير بحاجة الى النسيم ليساعده على الانسياب
والأشجار بحاجة إلى تسلل أشعة الشمس بين غصونها لتتنفس أوردة الأوراق بملء الضوء..
لذا نحن نعيش على الأحلام لا نتصرف إزاء الحدث ولكننا نبقيه كامنا لا يخرج من إطار التحكم ..

من المؤكد إن محاولتي فاشلة للتحفظ على الموضوع ,
و كنت بأمس الحاجة إلى البوح والتنفيس ..
سردتُ عليها كل ما حدث بما أن ما حدث بيننا لا يتجاوز أكثر من كلمتين
ولكن هاتين الكلمتين تركت أثرا عميقا في دواخلي ..وانطباعا سيبقى في الذاكرة
صمتت سعاد ثم استأنفت ..أهو وسيم ؟
أتدرين يا سعاد خمسة دقائق وحدها كافية لتبنى مدينة مأهولة بالسكان والعمران وحدائق وارفة بالآمال ,
خمسة دقائق كافية لتزرع أشجار الحب في الطرقات , كما يمكنها أن تدمر وتبيد تلك الدقائق القليلة ..
خمسة دقائق تبدل الحال من و إلى …وتهدم قناعات لتبنى على أنقاضها مفاهيم معاكسة لها ..

ذهلت سعاد من كلامي هذا واعتبرته مقدمة شؤم ظالمة في حق الموضوع لكنها سرعان ما تبدلت تعابير وجهها عندما قلت :
لم أستطع أن انظر إلى عينيه مع إني تمنيت أن افعل ذلك خفت أبقى بها عالقة ..ألست عالقة الآن ؟
أشعر بأن جيبوتي من أطرافها لأطرافها ممتلئة منه ,

لهذا أصبحت مقتنعة بأنه لا يكفِ فقط أن تحبي أمرا لذاته إلا بوجود شيء آخر أقوى يربطك بهذا الشيء ليحمل هذا الحب طاقة كبيرة ..
نحب المكان حسب تعودنا وإحساسنا بالانتماء إليه وكل هذه الأفكار مدعومة بالقصد لكنها لا تحمل لك خيارا آخرا في حالة أن تفقد أسباب الحياة فيه إلا في حالة أن يشكل سكانه من هذا الحب طاقة عارمة
قالت سعاد : هل تقصدي بأن حبك لوطنك مرتبط بأشخاص آخرين ؟
ـ نعم ولما لا ؟ !
ليس بالضرورة أن يكونوا أشخاصا, إنما لكي تحبي كائنا ما لابد و أن تكون هناك كيانات أخرى تربطك به وتدعم تواجدها في حياتك .

أكملي .. أرجوكِ دون أن تدخلينا في متاهات فلسفية ,, المواضيع العاطفية لا تحتمل الفلسفة هي وحدها فلسفة عجزت أمامها كل الأبحاث والدراسات التي تناولتها من قبل الخبراء وعلماء نفسانيين واجتماعيين لا تجعلي من هذا الموضوع مادة للتحليل الجدلي والتنظير الفكري سيصبح مثله مثل كلامنا عن الغلاء والأزمة الاقتصادية وتدهور الحياة تحت ظل تزايد البطالة ومعاناتنا مع الكهرباء طوال الصيف .

لا أدري لماذا أشفقت عليها ويبدو إني تأثرت بذكرها للكهرباء كل الازمات الاقتصادية التي أنتجتها مصانع العولمة لم تكن تحركني إن لم تذكر الكهرباء التي لامست جرحا مازال ينزف ولم يداويه العلاج البارد ( العلاج الآني ) فأنا لا و لم أنس بأني كنت أتوقف عن المذاكرة عند انقطاع الكهرباء حين تشل أطراف الحياة من حولنا , كما لا يمكن ان انسى لفحات الحرارة التي كانت تكوي ملابسنا على أجسادنا..

هل أنا على هذه الدرجة من الجمود يا ترى ؟!

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.