نساء اليمن .. بين الطموح للتغيير وقيود المجتمع

 

بقلم:أمة الرحمن العفوري

في اليمن حيث تتجلى التحديات والأزمات، تتألق قصص النساء كنجوم تضيء دروب الأمل ، ومع ذلك تظل مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار المحلي محدودة جدا، ما يوسع الفجوة الكبيرة بين الجنسين في الحياة السياسية والاجتماعية.

إن واقع اليمن يعكس صورة معقدة من الصعوبات، فالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ألقت بظلالها على دور المرأة، وجعلت من مشاركتها في صنع القرار أمرًا بعيد المنال ، لكن وسط هذه الإقصاء المتعمد ، تبرز قصص نساء صامدات يصرخن بصوت عال مطالبات بالتغيير، الأستاذة أنجيلا أصبحت مثالًا حيًا في قوة الإرادة والتحدي.

كفاح مستمر

في “مدينة السلام” كانت النساء يواجهون صعوبات كبيرة للوصول إلى التعليم . والأطفال أيضا ، فقد كانوا يُجبرون على قطع مسافات طويلة وشاقة للوصول إلى المدرسة، لذلك اتخذت الأستاذة أنجيلا خطوة جريئة لمواجهة هذا الواقع، حيث بدأت بتأسيس فصول دراسية متنقلة، رغم التحديات الكبيرة، والتي كانت أكثرها نكرانا مقاومة اللجان المجتمعية التي منعتها من ذلك وتعرضت لها بالتهديدات، وبالرغم من ذلك لم تتراجع تلك المرأة الجسورة التي لم تكن معلمة فحسب، بل رمزا للأمل والتحدي والإصرار، فواصلت الكفاح حتى تمكنت من افتتاح (مدرسة السلام الحكومية الأساسية) التي أصبحت منارة للعلم في المنطقة المحرومة من الخدمة التعليمية.

تعكس قصة أنجيلا كيف يمكن لامرأة واحدة أن تُحدث فرقًا كبيرًا في مجتمعها، من خلال الإصرار والعزيمة، وإن نجاحها ليس مجرد إنجاز فردي، بل يعكس دور المرأة إذا ما أتيحت لها الفرصة في اتخاذ القرارات المحلية، لضمان حصول الجميع على التعليم والخدمات الأساسية.

وهناك رمز نساوي آخر لأخذ المبادرة وصناعة القرار وتنفيذه إنها بسمة محمد التي شقت طريقًا جبليًا في مديرية القبيطة بمحافظة لحج، في ظل غياب دور الحكومة في المنطقة.

ففي يناير 2022، أطلقت بسمة مشروعًا طموحًا يحمل عنوان “شق طريق نجد زاكي شعب البقر عيريم” بهدف تسهيل وصول الخدمات الأساسية للمواطنين، وخاصةً النساء ، ولم يتوقف دورها عند هذا المشروع، الذي أسهم في تتحس الظروف الحياتية لعشرة آلاف نسمة، بل سعت أيضًا على ترميم وتأهيل مدرسة العباس التي تقدم الخدمة لسبع قرى، مُتجاوزةً العقبات التي كانت تعترض طريق التعليم في المنطقة.

لقد جعلت مبادرات بسمة المجتمعية اسمها يتردد على أفواه أبناء المنطقة، وكأنها تمثل الدولة نفسها ، إذ أصبحت رمزًا من رموز التغيير، حيث تحدت التقاليد والقيود، ونجحت في إحداث تغيير حقيقي على المستوى الخدماتي لمنطقتها .

أهمية مشاركة المرأة في صنع القرار

تشير تقرير الاستجابة الإنسانية لصندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن ربع النساء من اجمالي 17.8 مليون بحاجة للمساعدة الصحية في العام 2024. وتواجه 5.5 ملايين من النساء في سن الانجاب بينهن مرضعات وحوامل تحديات في الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، خاصة في المناطق الريفية والمديريات في مناطق الصراعات حيث يعانين من نقص في الخدمات الصحية والتعليمية، ما يجعل مبادرات مثل تلك التي قامت بها أنجيلا وبسمة ضرورية.

إن تعزيز مشاركة النساء في صنع القرار المحلي ليس مجرد مطلب اجتماعي، بل هو حاجة ملحة ، والأبحاث تشير إلى أن المجتمعات التي تشارك فيها النساء بشكل فعّال في اتخاذ القرارات تكون أكثر استقرارًا وازدهارًا.

دعوة للتغيير

إن نجاح هاتين التجربتين الملهمتين يُظهر كيف يمكن لمبادرات فردية أن تُحدث فرقًا في حياة الكثيرين ، لهذا يجب أن نعمل جميعًا على دعم هذه المبادرات وتعزيز قدرة النساء على تحقيق طموحاتهن ، فالأصوات النسوية تحتاج إلى أن تُسمع، والفرص يجب أن تُمنح لهن لتشكيل مستقبل اليمن؛ لأن المستقبل الذي نرغب فيه يتطلب جهود الجميع، رجالاً ونساءً، لبناء مجتمع متكامل .

تحديات النساء في صناعة القرار

وبحسب بلقيس العبدلي ، رئيسة منتدى آفاق التغيير ” ، أن التحديات التي تواجه النساء تتعلق بقدراتهن وتأهيلهن، حيث تسببت الحرب في اتساع هذه الفجوة وتحولهن إلى المشاريع الصغيرة ، مشيرةً إلى ضعف التدريب على المشاركة السياسية والديمقراطية، بالإضافة إلى نقص المهارات القيادية واستخدام التكنولوجيا واللغة الإنجليزية.

وأضافت العبدلي: إن العودة إلى مراكز صنع القرار تمثل تحدياً كبيراً بعد تراجع المشاركة السياسية للمرأة خلال فترة الحرب ، كما نوهت إلى أن القوانين والنصوص الدستورية لم تعد تتماشى مع طموحات النساء، في ظل العادات والتقاليد السائدة واتساع الفجوة بين المجتمعات المحلية والمنظمات الدولية العاملة في تأهيل المرأة في هذا المجال.

تأثيرات إيجابية

تشير “سعود غالب”، رئيس سكرتارية المرأة في مديرية البريقة، إلى أن زيادة مشاركة النساء في صنع القرار تؤدي إلى تأثيرات إيجابية على السياسات المحلية والتنمية المجتمعية ، مؤكدة أن النساء أقرب للمجتمع من الرجال، وأكثر شعورًا بالمسؤولية والانضباط.

وتضيف تعتبر مشاركة المرأة مقياسًا لتحضر المجتمع وتقدمه ، ويجب أن نسعى جميعا لتحقيق المزيد من الإنجازات في مؤسسات صنع القرار ، لتحقيق التنمية القائمة على تعزيز دور المرأة في اتخاذ القرارات.

وتتابع” غالب” إن مساهمة النساء في عمليات صنع القرار ليست مجرد حق إنساني، بل هي شرط أساسي لتحقيق المساواة بين الجنسين في كافة مجالات الحياة العامة، بما في ذلك الشؤون السياسية والاقتصادية ، وتحقيق المساواة في المشاركة يعد قضية عدالة وديمقراطية وهو أمر ضروري لتحقيق التنمية المستدامة والسلام.

خطوات لتعزيز تمثيل النساء في مواقع صنع القرار

أكد المدرب والاستشاري وليد عبدالحفيظ على ضرورة اتخاذ خطوات عملية لزيادة تمثيل النساء في مواقع صنع القرار المحلي ، وأوضح أن الخطوة الأولى تتطلب شراكة حقيقية بين الإدارة العامة لتنمية المرأة في ديوان المحافظة والمنظمات النسوية العاملة، بالإضافة إلى تشكيل شبكات تحالفات تركز على تمكين قضايا المرأة.

وأشار عبدالحفيظ إلى أهمية إجراء مسح لبيانات النساء العاملات في القطاع العام، بما في ذلك عددهن ومؤهلاتهن والمناصب التي يشغلنها ، بعد ذلك يجب تنظيم حملات لدعمهن للوصول إلى المناصب المناسبة لمؤهلاتهن، داعيا إلى عقد دورات تدريب وتأهيل للنساء، لتمكينهن من اكتساب المهارات اللازمة لإدارة مواقع صنع القرار ، وشدد على أهمية تنظيم حملات مناصرة إعلامية لتعريف المجتمع بإمكانيات النساء وخبراتهن، وعقد لقاءات مع صناع القرار المحلي لتسليط الضوء على أهمية زيادة تمثيل النساء، إلى جانب استخدام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي وتعزيز المشاركة النسائية، مع استثمار الأيام العالمية مثل اليوم العالمي للمرأة لتكريم النساء ودعمهن للوصول إلى مواقع صنع القرار.

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Ibarhim Ali

شاهد أيضاً

” الدبلومالية الليبية – المملكة السنوسية 1951 – 1969

بقلم: الكاتب الليبي محمد علي أبورزيزة المملكة الليبية أو ( السنوسية ) كما أسماها السيد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.