رأيت فيما يراه النائم، وأنا واع وما ران الكرى جفني، رأيت اني ابعث لها برسالة ، اشكو فيها * بثي ولوعتي وحنيني اليها ، فاستهللتها بالقول “
عزيزتي * ميجدالا!
منذ أن غِبتِ واختفيتِ، هدني الشوق إليك، فهالني ما اصابني من الوجد حتى اكفهر وجهي ، وتغيرت ملامحي، وجُف ماء وجهي ، وانقطع منهل الإبداع عني، فلم يعد يمدني ببناته، فمذ ذاك يا عزيزي، فأنا هائم على وجهي ضاربا ضلوع الفيافي والقفار بخيباتي ومنطلقا دون وجهة .
عزيزتي ميجدالا! ألم تصلكِ رسائلي التي ابعثها دونما انقطاع، اشكو فيها وحدتي كالصبَّار النابت في ذاوية موحشة في صحراء الدناكل الذي يقاوم لفحات أشعة الشمس وتيارات الذوابع الخماسينية دون ان يبرح مكانه. فرغم عداء الطبيعة وتكالب المحن لم ابرح مكاني لم اهرب او اقاوم . نعم نعم لم احرك ساكنا، مع اني تلقيت ضربات موجعات، بسيوف مصقلات . لكني مازلت أبرر وأبرر لهم “لعلهم لم يقصدوني، فلعل المهارة خانتهم او لعلي كنت بحاجة لهذه الكدمات، انها إرثي الوحيد وتركتي الثمينة التي اتركها لذريتي كي يتقفوا آثارها”. لكنه يقصدني نعم يقصدني انا ويضربني عن قصد ويعبر عن سوء نوياه تجاهي علنا او خفية ، مع ذلك مازلت اطبطب على روحي واقول “لا عليكِ! لا عليكِ ! فأنا اعرفه اكثر منه، قل لا يقصد، فعد لسباتك دون حراك ”
لكني يا عزيزيي ميجدالا ! اتآوه حين اجالس نفسي واختلى بها أو اكون بمعية أهلي والاحباب ، وازعج جدران منازلي بأنيني و صرخاتي حين سكون الليل ، وحين اتذكر قول القائل ” ان للجدران اذان ” ترتعش كل خلية في جسدي ، وترتعد * فريصتاي، وترقص دون طرب.
عزيزتي !….هذا ليس جبن فأنا لست جبانا ، انا مرسول السلام وصمام امان الاعداء وعامر دور الغرماء، هادم اعمدة النهضة عند الاحباب !!!!!
نعم لست جبانا لست جبانا لست جبان. اتذكرين؟!! حين اغضب احرق كل بيوتي واهدم كل عمود في طرقاتي ،واقتل كل بصيص او تفكير بالمستقبل. فأنا حارس أمن لا يفلتني من قبضتي، حتى لا يغضب جلادي. لا لا لست جبان .. لكن افهمي ما شئت من قولى ، فأنا اعلم اني لست جبان، كل القصص التي لُقّنتها منذ طفولتي تشهد بذلك، صدق او لا تصدق .
لكني انتظر! انتظر مرسولك ، فحمامك الزاجل يا عزيزتي أميجدالا قد ضل الطريق. اين الطرد الذي اسميناه * “الدوبامين”؟ ذلك المنتوج السحري الذي نفد من عندي ، وغيري يملكه اريد منه قدرا ينفعني لا بالقليل الباهت ولا بالكثير الفائض . ربما يكمن غيابه وراء تبلد احساسي ، وغياب روحي عن واقعي … لم أقاوم لاسترد او اهرب كي أفلٌت *(fight or flight response). انا واقف اتلقى كل الضربات بصدر عار ، لا توجعني حتى تقتلني .
وما نـيل الـمـطـالب بالتمنـي***ولـكـن تــؤخـذ الـدنـيا غلابـا
وما استعـصى على قومِ منالٌ***إذا الإقـدام كـــان لــهـم ركابا
….. امير الشعراء احمد شوقي
بقلم /شفا العفري
توضيحات: *
اللوزة الدماغية * أميجدالا ( Amygdala)، وتعرف أيضًا باسمAmygdaloideum)، هي جزء من الدماغ المسؤل عما نسميه الكر او الفر ( fight or flight response)، وهي استجابة إنسانية للمواقف الضاغطة، وفيها يختار الإنسان إما أن يقف ويواجه وإما أن يتجنب المواجهة وينسحب.
*الدوبامين (بالإنجليزية: Dopamine) مادة كيميائية هرمون يتفاعل في الدماغ ليؤثر على كثير من الأحاسيس والسلوكيات بما في ذلك الانتباه، والتوجيه وتحريك الجسم. إن الدوبامين أحد المجموعات الكيميائية التي تسمى النواقل العصبية التي تحمل المعلومات من عصبون (خلية عصبية)، إلى آخر.
هو نظام دماغي يقوم بخلق دافع غريزي لإنجاز شيء ما ليبقيك على قيد الحياة، مثل الأكل والشرب وتكوين العلاقات والنجاح أيضًا.
يلعب الدوبامين دور البطولة في سيناريو المكافأة الدماغي، فهو الناقل العصبي الوحيد الذي يُشعرك بنشوة الإنجاز، ويعطيك شعورًا قويًا بالراحة والسكينة عند إرضاء غريزتك ومهامك. أميجدالا هي التي تستقبل الدوبامين.
*الفَريصُ : لحمةٌ بين الكتف والصّدر تَرْتَعِدُ عِنْدَ الفَزَعِ
*بثي : أشدّ غمّي ، همِّي
*الطَّرْدُ : ما يُرْسَلُ من البضاعة وغيرها في البريد ونحوه من ناحيةٍ إِلى أخرى وهو في الأَصل مصدرٌ ثم أُطْلِقَ عَلَى المَطْرُودِ