يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ.

في الستينات ولحد التسعينات كان للفن قيمة فنية،وللفنان هيبة في وسط المجتمع الجيبوتي،كان الفنان حرا يطلق قصائده كما يحلوا له،لكن في زمننا هذا أصبح الفنان عميلا لمخابرات (SDC) التي ترتاد المقاهي ومجالس القات،فقط ليسترقوا السمع،ليذهبوا به الي وقر المخابرات،ويزيدون فيها مئة كذبة ليقبضوا قليلا من الفرنكات.وكأنهم مثل الشياطين الذي قال عنهم الرب:”يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ”وهذه الفئة من الفنانيين والشعراء وصلوا الي القمة وباعوا الفن بسعر رخيص جدا.وهذه النوعية من الفنانين أصيبوا بما يعرف بتملازمة إستوكهلم سيندروم.وبسبب هذا المرض النفسي الخطير تراهم يقومون بإجهاض قضية الأمة!و70% منهم خدم عند المخابرات الجيبوتية.وأنضمت الفرق الفنية في جيبوتي الي الحزب الحاكم الذي قسم المواطنيين الي أسياد وعبيد.ولم يعد يهمنا الفنان الواطئ الذي عينه علي الراتب المدفوع له من وزارة الأوقاف التي جندت معظم الفنانين لخدمة الحاكم،بقدر ما يهمنا الشاعر الذي يحمل في وجدانه رسالة الفن بصرف النظر عن أوضاعه المادية،وهذا الصنف من الشعراء لديهم حس وطني وقومي وإنساني وإجتماعي وديني وأخلاقي،وهذه الفئة من الشعراء يحمل هم الوطن والمواطن وهذه الفئة من الشعراء أيضا متأثرين بشعراء قوميين وعالميين،وتأثيرهم بشعراء عالميين كان عنصرا إيجابيا.وهذا ما جعلهم يرفضون العمالة والرقص في محراب الجلاد،وهذا النوع من الفنانيين ضد تشويه الصورة الناصعة للفن الأصيل.والشاعر الذي نحن في صدد الحديث عنه من الشعراء الكبار،ولأجل مواقفه ومبادئه العظيمة ظلم طويلا،وعاني من البطالة والفقر والمرض والبؤس،وكل ذلك ليحمي رسالة الفن،وكل ذلك ليحمي قضية أمته وشعبه،وضحي بنفسه وعائلته الكبيرة.وهو رأي سلوك الحاكم وثلته لا تتواءم مع الفن الراقي الذي يمثله،كما لا تتواءم مع ثقافته وحضارته وسلوكه كإنسان سوي يرفض الظلم والإستبداد.والشاعر الكبير أحمد مالكوا رفض أن يحمل الشاعر شعار الحزب الحاكم،ورفض أن يكون شاعرا مجندا لجهة ما،كان لمالكوا ثقافة عالية ترفض التبعية،وكان صاحب فكر ناضجة،وثقافته لم تكن محدودة،وكان مهتما بقضايا أمته،ناضل الرجل في صفوف عدة حركات تحررية ومدنية،وكأنه رسول جاء لمحاربة الظلم والإنحلال الأخلاقي والثقافي،وكانت مهمته تقديم القضايا الوطنية علي المصالح الشخصية والآنية والحزبية.وقلب مالكوا لم يخفق الا للشعر والحب والنضال والكفاح والحرية والعدالة.
بينما الآخرون رقصوا فوق دماء شهدائنا وبالغوا كثيرا في مدح الطاغية الذي أهان الشعراء وأستعبد الشعب.وأثار شعر أحمد مالكو منذ السبعينات حتي اليوم من الإشكالات ما يذكرنا بما كان لشعر أمل دنقل من مكانة.ولقصائد مالكوا معاني دقيقة أثارت حفيظة رجال المخابرات الرافضة للشعر الهادف الذي يضع الكفاح في المقدمة.رحل أحمد مالكوا عن عالمنا بجسده،وترك وراءه إرثا فنيا نضاليا كبيرا يصعب تجاوزه أو نسيانه،والذين وصلوا الي القمة لم يكسبوا القلوب كما كسبوا المال والوظيفة،ولم يكسبوا مستمعين ولا معجبين ولا قراء،مثلما إنتصر شعر مالكو وبسمة مالكو الجميلة،وأحدث شعر مالكوا ما أحدث من ثورة وإن إختلف المشهد وتطورت مفاهيم الشعرية العفرية في جمهورية جيبوتي.وهناك قصائد ثورية لمالكوا تأجج مشاعر الناس لتدفعهم نحو المقاومة ورفض الظلم والإستبداد.ومهما كانت الحاجة تأب النفس الكريمة الإنحناء أمام الطاغية الذي بيده كل شيئ،ولم يهمل شاعرنا الراحل جوانب الحب والعشق في شعره والمرأة عند مالكوا نالت كثيرا من التقدير والمديح والتقديس،وهنا ذهب مالكوا بعيدا مع الأنثي وتاه في جمالها وحسنها مثلما تاه نزار في حب المرأة،ومن الصعب أن يقول شاعر عفري ما قاله أحمد مالكوا عن الأنثي وجمالها،أبدع أحمد مالكوا في وصفها كما أبدع الخالق سبحانه وتعالي في خلقها..ولم يكن يلعب شاعرنا الراحل فقط في عالم الشعر،وإنما ترك وراءه بصمات براقة في عالم النضال والبحث العلمي،خاصة فيما يخص اللغة العفرية،فنحن العفر نفتخر بمالكوا شاعرا ومناضلا ومفكرا ولغويا،لأنه فضل القيمة الشعرية والإنسانية والنضالية علي عطايا النظام المستبد.وقد قال شكسپير في إحدى مسرحياته:” كن أو لاتكن: ذلك هو السؤال،ويعني هذا أن لغة الأم عند مالكوا هي الوجود والتراث والهوية والتاريخ،والكينونة الأنطولوجية للإنسان.لهذه الأسباب وغيرها رفض أحمد مالكوا التفريط في لغته وفنه وشخصه،ومن فرط فيه فرط في وجوده فوق هذا التراب.ولهذه الأسباب أيضا رفض الإنضمام الي نادي القلم العفري الذي يتبع أعضاءه للحزب الحاكم.يجب علي الشعراء الوطنيين الغيوريين العفر من أمثال مالكوا تأسيس اتحاد شعراء عفر خاص بالعفر،ونقابة لفنانين عفر للدفاع عن فنهم وتاريخ أمتهم بعيدا عن PEN AFAR،وذلك تفاديا لسياسة التهميش واللامبالاة والإقصاء التي يتعرضون لها بشكل متعمد وممنهج في جمهورية جيبوتي.وماذا أقول بعد عن أحمد مالكوا الإنسان والشاعر والمناضل،وهو ملء السمع والبصر في السبعينات،وهذا ما أكده لي الدكتور محمد كداعمي الذي عرفه عن قرب،قائلا:كان نجم كبير حتي وهو صغير،لم يخفت ضوءه أبدا،بل إزداد كل لحظة تألقا وتوهجا،وهذا ما أكده لي أيضا صديقه الغالي عبدالقادر المعروف ب(Aysuk Yayse
الذي يعرف منه ما لا يعرفه الآخرون.خرج مالكوا عن الدنيا مرفوع الرأس،خرج منها مقاوما لا مستسلما،كما خرج منها مظلوما،لا ظالما.أحمد مالكو،بتنوع قصائده كان مذهلا،كما كان مذهلا في مواقفه ومبادئه.وفي الختام أقول رحم الله لشاعرنا،وأسكنه في العليين مع الأولياء والصديقين والصالحين.إنا لله وإنا إليه راجعون.

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Ibarhim Ali

شاهد أيضاً

هناك أناس سمعوا،أن الوطن غالي فباعوه!

تخيل أن تكون شخصا غير مرغوب فيه،تخيل أن تكون شخصا ينتمي الي مجموعة ضعيفة، فقيرة،منبوذة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.