هجرة اليمنيين ودورهم البارز في بناء جيبوتي.

عبدالله محمد كامل – رئيس الوزراء الجيبوتي الأسبق ل«الجمهورية»:
نأمل تحقيق تعاون أوسع بين اليمن وجيبوتي
عبد الرحمن مطهر
نشر في الجمهورية يوم 13 – 05 – 2014

زار بلادنا نهاية الشهر الماضي وفد من جمهورية جيبوتي الشقيقة برئاسة السيد عبدالله محمد كامل رئيس الوزراء الجيبوتي الأسبق تم خلالها بحث العديد من القضايا التي تهم البلدين الشقيقين.
صحيفة «الجمهورية» التقت بالسيد عبدالله كامل رئيس الوفد والذي فضل أن يتحدث لنا عن عمق العلاقات التاريخية والأخوية بين الشعبين الشقيقين اليمني والجيبوتي باعتبار هذا الجانب هو الجانب المغيب..

فقال: في البداية يسعدني أن نستهل حديثنا مع صحيفة الجمهورية في اليمن الشقيق والتي أتاحت لنا هذه الفرصة العزيزة لنطل عبرها على القارئ اليمني للحديث عن عمق تاريخنا المشترك والتواصل الحضاري بين دفتي البحر الأحمر اليمن والقرن الإفريقي من ناحية والعلاقات اليمنية الجيبوتية من ناحية أخري وأضاف.
: يعلم الكثير فإن مدينة جيبوتي هي مدينة حديثة النشأة أسسها الاستعمار الفرنسي قبل حوالي مائة وعشرين عاماً إلا أنها تشكل جزءاً من القرن الأفريقي الممتد من أقصى شمال إرتيريا إلى أقصي جنوب الصومال من هضاب وجبال وسواحل يقابلها من الضفة الأخرى للبحر الأحمر اليمن.
أما اليمن فإن لها حضارة قديمة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، تعود هذه الحضارة إلى آلاف السنين ونذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر في هذا المقام حضارة سبأ ومعين وحضرموت وقتبان وأوسان وحمير وما إلى ذلك، وقد امتدت هذه الحضارة لتصل إلى القرن الأفريقي وأسست هناك في مرحلة تاريخية حضارة في هضبة الحبشة هي حضارة مملكة أكسوم.
الحميرية ما زالت اللغة المستخدمة في القرن الإفريقي.
ويضيف السيد عبدالله كامل قائلاً: كما نعرف جميعاً ممالك سبأ وحمير وغيرها من الممالك اليمنية القديمة كانت لغتها هي اللغة السبئية الحميرية وكانت لها حروف خاصة بها وكانت تكتب بأشكال هندسية بديعة، كانت هذه اللغة هي أحد أبرز اللغات السامية في ذلك العهد القديم، وأيضاً تركت لنا هذه الحضارة الكثير من المعالم المعمارية التاريخية والحضارية النادرة التي تدل على عظمة الإنسان اليمني في ذلك الزمن،وهنا نتساءل ماذا عن مملكة أكسوم وحضارتها لغة وكتابة ومعماراً.
الواضح أن الكتابة الحميرية ولغتها كانتا ومازالتا حتى اليوم الكتابة واللغة المستخدمة في الحبشة سواءً في عصر مملكة أكسوم أو في دولتي إثيوبيا وأرتيريا الحديثة والمعروفة لديهما بكتابة ولغة الجئيز.
ويقول: كيف يمكن لنا تفسير هذا الانتقال للكتابة واللغة الحميرية اليمنية وترسخها في أرض الحبشة من أكسوم إلي يومنا هذا؟ تضاف إليها الآثار المعمارية الحميرية ونقوشها لا زالت شاخصة في قصور أكسوم وجوندر.
هل حدث هذا الانتقال عبر هجرات متلاحقة من اليمن إلي الحبشة أم بطرق ووسائل أخرى أي بامتداد النفوذ من خلا ل توسع لمملكة سبأ على الهضبة الحبشية وإخضاعها لحكمها؟
نترك الإجابة على ذلك للوثائق التاريخية للمؤرخين انطلاقاً من أن التاريخ لم يكن بالنسبة لي لا مجال دراسة ولا مجال احتراف وما حديثي هذا إلا محاولة لقراءة المعالم والتوقف على المشاهد.
ويقول: أيضاً هناك العديد من التساؤلات التي نأمل أن نجد إجابات لها من خلال الباحثين والمؤرخين خاصة أن هناك ملامح وآثاراً للوجود اليمني في الحبشة، لكننا لا نعلم للأسف أي شيء عن آثار اكسوم و الوجود الحبشي في اليمن والذي تكرس عبر غزو مملكة أكسوم واحتلالها لليمن على يد قائدها العسكري أبرهة الأشرم الذي قام بإخضاع اليمن لحكم أكسوم وبلغت به الغطرسة والحماقة لاستهداف مكة بالتدمير هل كان لهذا الاحتلال الذي استمر لفترة أي آثار ثقافية أو حضارية غير الحميرية من كتابة ولغة.
ولمن يعود أصل هؤلاء الغزاة إلى الحميريين، أم السبئيين أم من، وماذا بعد أكسوم المسيحية وهل استمر التواصل بينها وبين اليمن؟
لكن من خلال معرفتي المتواضعة أستطيع القول بأنه لم يستمر هذا التواصل إلا في النطاق المحدود ففي اليمن نشأت حضارة إسلامية يقابلها في الحبشة المسيحية، لكن ماذا عن بقية مناطق القرن الإفريقي؟
في العصر الإسلامي يذكر التاريخ وصول المد الإسلامي إلى سواحل القرن الإفريقي ومرتفعاتها منذ وقت مبكر عبر هجرات يمنية عربية إسلامية متلاحقة على مدى قرون وأنشأت فيها حواضر وفي هذه الحواضر نشأت حضارة إسلامية، ومع مرور الزمن قامت في بعضها إمارات إسلامية مرتبطة على المستوى الديني والحضاري وحتى تجارياً مع اليمن، منها إمارة زيلع وإيفات وادال التي كانت تتخذ من هرر عاصمة لها وجزر دهلك، وبطبيعة الحال أدى نشوء هذه الإمارات الإسلامية إلى احتكاكها بالحبشة المسيحية وحدث ما كان لابد أن يحدث وهو الصدام والمواجهة المستمرة بين هذه الإمارات والإمبراطورية الحبشية خاصة من القرن الثامن إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي.ورغم محدودية مواردها البشرية وإمكاناتها العسكرية استمرت الإمارات الإسلامية السبع من زيلع’ إيفات’ هدية ‘مورة ‘بالية ‘في مواجهة الإمبراطورية الحبشية مع استسلام بعضها وتقديم الجزية نتيجة لضعفها ونتيجة للحروب التي جرت فيما بينها، بالإضافة إلى إمارة دهلك التي اتسع نطاق نفوذها وتعددت حروبها وطال أمد سلطانها لقرون، وكانت هناك مراحل قوة ضاربة للإمارات الإسلامية التي تمثلت في إمارة أدال والتي امتدت سلطتها إلى كل من دوار وشمالاً وجنوباً وإقليم فتجر وايفات وسلطنة أوسا والمنطقة الواقعة في نطاق جمهورية جيبوتي حالياً وأقاليم زيلع وصولاً إلى رأس غار دافي على الساحل الصومالي، وخاضت هذه الإمارة بقيادة قائدها المغوار الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي الملقب ب أحمد جرى أي أحمد الأشول الذي عرف بقوة بأسه حروباً ضارية ألحقت خلالها العديد من الهزائم بجيوش الحبشة في حروب امتدت لعقد ونصف وانتهت بمقتل الإمام أحمد ابن إبراهيم الغازي على يد االبرتغاليين القادمين لدعم الحبشة الصليبية وهزيمة جيشه..وعلي الرغم من ذلك استمرت هرر بالمقاومة بقيادة الأمير نور ونجله لما يزيد عن عشر سنوات انتهت كذلك بهزيمتهم. إثيوبيا استغلت الضعف الذي لحق بعدوها اللدود وعملت على التمدد والتوسع والقضاء بشكل كامل على ما تبقى من سلطة ونفوذ لإمارة أدال بتسديد ضربات متواصلة، وفاقم الزحف البشري من قومية الأورومو على هرر وسكانها من سوء أوضاعها، ومن سوء الطالع توالت المصائب على الإمارة المحتضرة والتي توجت بوباء الطاعون الذي أهلك الحرث والنسل.
وبعد هزيمة سلطنة أدل وانهيار هرر خلا للإمبراطورية الحبشية الجو في منطقة القرن الأفريقي التي لم تبق فيها قوة إسلامية من إمارة أو سلطنة تتصدى لها وأصبحت هي القوة الوحيدة ذات النفوذ في منطقة القرن الأفريقي لتبدأ بذلك مرحلة تاريخية سجلت فيها المنطقة انقطاعاً شبه تام باليمن باستثناء بعض التواصل البسيط مع السلطنات التقليدية في السواحل والهضبة التي بقيت على اتصال حضاري وثقافي وتجاري باليمن منها على السواحل: مصوع ‘ رحيتا ‘ تجورة ‘زيلع ‘مقديشو ‘وجزر دهلك وهرر وسلطنة أوسا في الهضبة و…..و……
فهذه أخي العزيز كانت إضاءة مختصرة على الروابط والتواصل الحضاري الذي صاغ مفردات العلاقات بين ضفتي البحر الأحمر اليمن والقرن الإفريقي في مراحل تاريخية مختلفة.

العلاقات اليمنية الجيبوتية.
ويقول السيد عبدالله كامل: أما بالنسبة للعلاقات الجيبوتية اليمنية والتي تعتبر امتداداً لذلك التاريخ المشترك بين المنطقتين فهي كما يلي:
أولاً جمهورية جيبوتي هي إحدى دول القرن الإفريقي التي تشكلت بداية نشأتها على الخارطة السياسية للمنطقة على يد المستعمر الفرنسي الذي انطلق تواجده من أبخ في عام 1863، بعد إبرام اتفاقية مع سلطان رحيتا أبوخ التي ترجمت من قبل السيد حسن بانبيلا قاضي أبوخ آنذاك، وفي وقت لاحق أبرم المستعمر الفرنسي اتفاقية أخرى مع سلطنة تجورة وزعماء وأعيان القبائل العفرية والعيساوية السكان الأصليين لجمهورية جيبوتي والتي تقع على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، وتحدها أريتريا من الشمال الغربي، وإثيوبيا من الغرب والجنوب، والصومال من الجنوب الشرقي، فيما تطل شرقاً وشمالاً على باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن، وتقدر مساحتها بحوالي 23.000 كيلومتر مربع.
جيبوتي العاصمة.
وبعد أن مكثت سلطات المستعمر الفرنسي عشرين عاماً في أبوخ بدأت ترى أن هذه المدينة لا تكفي لرسوِّ سفنها، لاسيما وأن طموحات كبيرة كانت تحدوهم في التوسّع نحو إثيوبيا وكان لابد لها من ميناء يلبي احتياجاتها فوجدوا في ساحل جيبوتي هدفهم المنشود، وهكذا انتقل الفرنسيون إلى ساحل جيبوتي.
هجرة اليمنيين ودورهم البارز في بناء جيبوتي.
متى بدأت؟ ومن أين؟ وما أسبابها ؟ وهل جاءت دفعة واحدة؟ وما هي الأدوار التي لعبها المهاجرون اليمنيون وفي أي المجالات تركزت؟
بداية هجرات اليمنيين إلى جيبوتي كانت مع بداية تواجد الفرنسيين في أبوخ في أواسط القرن التاسع عشر ثم تواصلت القرن ال 20 وفي الغالب كانت من البيضاء ومن تهامة ومن جزيرة ميون وعدن وحضرموت والحجرية وشبوة، وبعض المناطق اليمنية الأخرى وكان من بين الرعيل الأول الذين أعقب وصولهم إلى أبوخ بداية تواجد الفرنسيين فيها:
محمد صالح كبيش.وهو من أبناء عدن الذين استقروا في مدينة أبوخ الجيبوتية وأسهموا في حركة البناء الذي أعقب وصول الاستعمار الفرنسي إلى المنطقة وانتقلوا مع الفرنسيين من أبخ العاصمة التاريخية إلى جيبوتي العاصمة الجديدة..وكان السيد محمد صالح كبيش ثاني عضو عربي في أول مؤسسة تجارية تحمل اسم اللجنة الاستشارية للتجارة, والتي تعرف اليوم بغرفة تجارة جيبوتي حيث كان العضو العربي الوحيد في هذه المؤسسة التجارية التي تأسست في العام 1900 ميلادية أي بعد تأسيسها بثمانية أعوام، وامتد هذا الحضور والإسهام لآل كبيش من الأب إلى الابن علي محمد كبيش الذي أنشأ مدرسة النجاح الإسلامية،ومنه إلى سعيد علي كبيش الذي يعد مهندس الفرنك الجيبوتي ورئيساً للغرفة التجارية لعقود وصاحب أكبر الشركات الصناعية في البلاد وتواصل اليوم السيدة مجدة سعيد علي مسيرة هذه العائلة العريقة وإسهامها في التنمية الاقتصادية من خلال مواصلة الإنتاج وتوفير فرص العمل والتعليم برعايتها لمدرسة النجاح الإسلامية.
حسن بانبيلا…
كان السيد حسن بانبيلا موظفاً ومترجماً وهو الذي قام بترجمة الاتفاقية الفرنسية مع الزعامات والسلطنات المحلية في أبوخ, وكان كذلك يعمل كمستشار للحاكم الفرنسي وقاضياً شرعياً في أبوخ.
وهناك شخصيات أخرى مثل أبو واسر وعوض حيدر اللذين كانا يعملان في الشركة التي كانت تعمل في تموين السفن بالفحم المستخدم كوقود في تلك الحقبة حتى الخمسينات من القرن الماضي.
أسباب الهجرة.
ويقول كامل: عند الحديث عن أسباب هجرة اليمنيين إلى جيبوتي يمكننا أن نتساءل عن أسباب تلك الهجرات هل كانت اقتصادية أم أمنية أو استجابة لطلب الفرنسيين للأيدي العاملة، ونستطيع القول بأن هذه الأسباب مجتمعة كانت وراء هجرة اليمنيين إلى جيبوتي ولم تأت دفعة واحدة فقد بدأت من أبخ وزيلع ثم تواصلت، إلا أنها في أغلب الأحوال كانت مرتبطة بالحاجة إلى الأيدي العاملة حيث كانت عملية إنشاء مدينة جديدة وما تتطلبه من مرافق خدمية وإقامة ميناء وتشغيله من استقبال البواخر وتزويدها بالوقود المتمثل بالفحم والأشغال العامة في البواخر والحركة المعمارية من بناء مساكن ومبان للتجارة ومشروع السكة الحديدية الرابط بين جيبوتي وإثيوبيا.
فكانت كل هذه المشاريع بحاجة إلى توفر أيدي عاملة ماهرة فقام الفرنسيون باستقدام عمال يمنيين إلى جيبوتي يحترفون مهناً عديدة من مختلف مناطق اليمن.
ويضيف: ففي مجال الزراعة استقدم الفرنسيون مجموعة من المزارعين من منطقة المخا ونواحيها لإنشاء مزارع الخضروات ومزارع النخيل والرمان والزهور وغيرها، وفي مشروع إنشاء الميناء وتشغيله تم استقدام عدد آخر من العمال من البيضاء ومن مناطق يمنية أخرى..كما كان للعمال اليمنيين اليد الطولى في عملية بناء مدينة جيبوتي في بدايتها كانت تعتمد بشكل كامل علي العمال والبنائين القادمين من اليمن، الذين بدأوا يبنون المساكن للعمال أولاً، ومباني وعمارات للسكن وللتجارة، كما عملوا على بناء منزل الوالي ومبان عديدة للسلطات الفرنسية وللجاليات الإيطالية واليونانية.
وكان البناؤون اليمنيون يشيدون المباني من خلال استخدام الشعاب المرجانية التي كانوا يستخرجونها من البحر ويقومون بقطعها إلى أجزاء متساوية،ومن ثم يتم طلاء هذه المباني بالنورة التي كانوا ينتجونها من الشعاب المرجانية بمحارق للجص والنورة وذلك لعدم وجود مادة الإسمنت في ذلك الوقت.
ويزيد السيد كامل قائلاً: ومازالت أذكر شخصياً أول مرة رأيت فيها محرقاً لإنتاج النورة في مدينة أبوخ تعود لطالب راجح من أبناء المهاجرين اليمنيين وكان للبناء اليمني دراية بعلم التخطيط حيث كانت تقريباً 90 % أو أكثر من واجهة المنازل ناحية الشرق التي يأتي منها النسيم.

اللغة العربية.

ويوضح: أما بالنسبة للغة العربية فقد أسهم اليمنيون بدور فاعل ومؤثر في ترسيخ مكانة اللغة العربية في جيبوتي ونشر التعليم العربي وكانت مدرسة النجاح الإسلامية نموذجاً لذلك، فكانت هذه المدرسة هي أول مدرسة عربية في مدينة جيبوتي قبل 80 عاماً بفضل وعطاء السيد علي كبيش ابن محمد صالح كبيش الذي تبرع ببناء تلك المدرسة من ستة فصول وستة بيوت للمدرسين، واستقدم لها العلماء من حضرموت ليدرسوا فيها، وهكذا افتتحت مدرسة النجاح بنظامها الحديث.وقد تخرج من هذه المدرسة العديد من الشخصيات البارزة منها عبدالقادر سعيد العطار وإبراهيم سعيد العطار وأحمد محمد الحاج العريقي والد فهمي الحاج، وناصر علي عثمان، وأحمد فرج باظفاري الشاعر والأديب و الأديب والشاعر أحمد حامد الجوهري.كما احتضنتني شخصياً وتخرجت منها بعد أن تتلمذت فيها على يد كل من الأستاذ سعيد عبدالرحمن بامخرمة من مواليد جيبوتي والأستاذ عمر بابطاح والأستاذ أحمد باجنيد وكلاهما من المكلا، وللعلم مازالت مدرسة النجاح تواصل رسالتها التعليمية برعاية حفيدة بانيها ومؤسسها السيدة مجدة سعيد علي كبيش.
اللغة العربية كلغة للتواصل.
ويضيف: ومنذ وصول المهاجرين اليمنيين وتواجدهم المستمر انتشرت اللغة العربية تدريجياً حتى تحولت إلى لغة للتواصل بين جميع مكونات سكان المستعمرة بما فيها جاليات أوروبية من إيطاليين ويونانيين باستثناء مدينة تجوره التي كان أهلها يستخدمون العربية كتابة وحديثاً منذ زمن بعيد.
الدين الإسلامي.
ويواصل كامل سرده بالقول: أما بالنسبة عن الدين الإسلامي فقد كان أيضاً لليمنيين الدور الأساسي في توطيد دعائم تعاليم الدين الإسلامي الحنيف في أوساط الشعب الجيبوتي الذي يعتنق الدين الإسلامي وذلك من خلال: تعليم وتحفيظ القرآن الكريم وبناء المساجد والقضاء الشرعي حيث أنشئت العديد من الكتاتيب (المعلامات) في جميع الأحياء الستة التي كانت تتكون منها مدينة جيبوتي حتى الستينيات من القرن الماضي وذلك لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم علي أيدي فقهاء يمنيين، وأنا شخصياً كنت ممن درس وختم القرآن على يد هؤلاء الفقهاء الأجلاء رحمهم الله.
كما تم إنشاء العديد من المساجد في مختف أحياء المدينة وبالمناسبة أول مسجد بني في جيبوتي هو مسجد حمودي الذي بناه التاجر اليمني الفاضل الشيخ حمودي ألف رحمة الله عليه ثم أوقف له ما يقرب من أربعة عشر «دكاناً»، جعل إيجاراتها لصالح «المسجد»، واستقدم الشيخ عبدالحليم الأغبري للقيام على إمامة المسجد وخدمته، أيضاً هناك مسجد السيد حسن البار، وهو مسجد وجامع كبير وقد بناه السيد حسن البار وهو تاجر يمني من حضرموت، قدم إلى جيبوتي وبنى هذا المسجد ليأتي بعده السيد صالح القفوع وعمل تلك المئذنة المطلة على جيبوتي كلها، وأوقف للمسجد بيوتاً للقيام على خدمته، وكان يؤم الناس فيه الشيخ عبدالرحمن بامخرمة، ولازالت هذه العائلة الكريمة تواصل خدمة الدين وإمامة الناس في هذا المسجد.
أيضاً منذ نشأة جيبوتي العاصمة وحتى بداية الاستقلال كان القضاة الذين يديرون المحاكم الشرعية كلهم وبدون استثناء من أصل يمني وكان من أشهر هؤلاء القضاة الشرعيين الشيخ القاضي شمسان والقاضي علي عبدالله السقاف.
الفن والموسيقي.
ويوضح كامل: ولم يكن الفن بمعزل عن الأدوار الأخرى وإسهامات اليمنيين وبصماتهم في مختلف المجالات في جيبوتي وسأترك الحديث عن الفن لأهل الفن ويسعدني في هذا المقام أن أقدم الفنان التشكيلي الكبير والسياسي ونجل الفنان الكبير الأخ رفقي عبدالقادر بامخرمة.
الجيبوتيون يمنيون.
ويواصل السيد عبدالله كامل حديثه لنا عن عمق العلاقات اليمنية الجيبوتية بالإشارة إلى الدور الذي قام به الجيبوتيين من أصول يمنية في دعم حركة الأحرار داخل اليمن ضد حكم الإمام فيقول: انطلقت بعض النشاطات والمحاولات التي قد قام بها الشباب اليمني في جيبوتي لدعم حركة الأحرار اليمنية من أربعينيات القرن المنصرم، ومن تلك المحاولات مثلاً قيام إبراهيم سعيد العطار عام 1946م بإلقاء محاضرة في إحدى تجمعات المغتربين في جيبوتي كان لها أثر ودور كبير في استمرار ذلك الحراك وتوسعه.
بالإضافة إلى ذلك فقد كان لدى هؤلاء الشباب دفاتر وسندات تحصيل الاشتراكات عن المغتربين وإرسالها إلى جمعية الأحرار في اليمن، وكذلك القيام بجمع التبرعات من المغتربين لصالح شراء مطبعة لصحيفة «صوت اليمن» واستقبلوا آلات وماكينات هذه المطبعة عند وصولها من القاهرة إلى جيبوتي، ثم قاموا بعد ذلك بإرسالها من جيبوتي إلى عدن، وقد سطر التاريخ من تلك المرحلة أسماء عديدة انخرطت في هذا النضال نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر بعض أبرز الشخصيات: على أحمد شعلان، وأحمد محمد الحاج، ومحمد أحمد شعلان، وعلي طاهر صالح والد نجيب علي طاهر الأغبري، ومحمد عبد الواسع حميد الأصبحي، ومحمد عبده سنان، وعبد الله محمد علي، وهائل محمد، والسيد عبد العليم، وسعيد هواش، وعبده ناجي، وعبده سعيد، ومحمد عبد الواسع وغيرهم الكثير.
أيضاً كان للشخصيات الجيبوتية ذات الأصول اليمنية حضور قوي على الساحة اليمنية وعلى مستوى الحركة الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية في اليمن، ومن هذه الشخصيات البارزة الدكتور محمد سعيد العطار الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد اليمني من جامعة السوربون في فرنسا والذي تقلد العديد من المناصب في اليمن حتى وصل إلى منصب رئيس الوزراء، أيضاً هناك محمد عبد الواسع الأصبحي الأديب والمثقف والمتيم بالشعر والكاتب والمناضل وقد كان سفيراً لليمن في جيبوتي لسنوات عديدة، كذلك محمد أحمد شعلان المناضل الكبير من أوائل من بنى فندقاً في صنعاء، ومحمد حسين قاسم صاحب أول وأشهر فندق على مستوى جيبوتي في تلك الفترة والذي برز في اليمن أيضاً في نفس المجال بالاستثمار في أحد القصور التي خلفها الإمام وتحويلها إلى فندق وذلك في السبعينيات من القرن الماضي.
تعاون مشترك وآفاق التكامل.
ويختتم عبدالله محمد كامل رئيس الوزراء الجيبوتي الأسبق: لجيبوتي واليمن علاقات تاريخية تتسم بالتعاون الوثيق بين البلدين في جميع المجالات، تضع على عواتقنا جميعاً مسؤولية رعايتها والاعتناء بها وتنميتها، وهناك مصالح استراتيجية مشتركة يلعب فيها الموقع الجغرافي الاستراتيجي للبلدين و العقيدة الواحدة وروابط القربى بين الشعبين، إضافة إلى العادات والتقاليد والتاريخ المشترك والعلاقات الأخوية المتميزة الممتدة بين قيادتي البلدين منذ الاستقلال إلى يومنا وقد تعززت هذه العلاقات أكثر وحققت نقلة نوعية نظراً لما توليه القيادة السياسية في البلدين من اهتمام كبير للنهوض أكثر بالتعاون المشترك بينهما في مختلف المجالات ومن أهم الأولويات في سبيل تطوير هذه العلاقة هو التركيز والاهتمام بالمجالات التي تلامس تطلعات الشعبين الشقيقين في زيادة التعاون في مجال التربية والتعليم، وكذا مجال التعليم العالي والقضاء والنقل والصحة والتعليم الفني …إلخ وهي مجالات تلامس احتياجات وتطلعات الشعبين الشقيقين.. ويعتبر التعاون بين بلدينا الشقيقين في مجال التعليم هو من أهم وأبرز المجالات التي استطعنا تحقيق نتائج إيجابية ملموسة والتي نأمل معاً تحقيق تعاون أوسع فيها كماً وكيفاً.

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Ibarhim Ali

شاهد أيضاً

أنين المآسي في غزة . واستشعارها في صنعاء.

– الحرب غيرت وجه قطاع غزة إلى دمار شامل.. فأنين الجوع يدمي القلوب في غزة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.