علي حساب هؤلاء الملائكة،حققت الشواطين مرادها في جيبوتي.

“مثل الأساطير القديمة،وحكاية الف ليلة،حل السلام علي جيبوتي،بعد أن حل الحب سلطانا داخل قلب زعيم التمرد أوجري كفلي،فقدم السلام مهرا لحبيبته” من مجلة المجلة-العدد،782-الصادرة في لندن.

***

جيبوتي:مدينة قديمة والشاهد علي ذلك منظر مبانيها القديمة،التي تحكي عن تاريخها القديم والحديث.ومبانيها آيلة الي السقوط كشجرة نخر في جزورها الدود،كغابة تعرضت للسونامي.وشوارعها شبه مهجورة،وكأنها تعيش حالة الحرب،وأرصفتها لا تحتمل عجلات سيارات النقل المكتظة بالبشر،صياح في كل ركن من أركانها،والكرسي المخصص لراكب واحد،هنا لراكبين،وقيظ الصيف الحارق يحرق الأرض والإنسان.والمحلات التجارية التي كان يمتلكها تجار العرب، إغتصبها اللصوص وتجار النظام الموالين للعشيرة الحاكمة.هنا البائع يبحث عن المشتري،وليس للبضائع سعر محدد،كما ليس للقانون مكان في بلد مثل جيبوتي تعيش منذ أربعون عاما تحت قبضة زعيم العشيرة،تري نفسها فوق القانون،والقبيلة هي القانون،تفعل ما تريد فعله،تعطي لمن تشاء،وتمنع عمن تشاء،تذل من تشاء وتعز من تشاء،وكأنها إله،تحكم علي من تريد،ويسجن فيها البريئ،ويبرئ فيها المذنب،مهما كان حجم جرائمه! القبيلة هنا تتصرف نيابة عن القاضيي،نيابة عن الشرطي،هي الدولة،وهي الأمن وهي العدالة،وهي الحق،وغيرها باطل!هكذا يتصرف السيد،وهكذا تتصرف عائلته،ومن يقدم لها الولاء والطاعة يضمن لنفسه البقاء علي قيد الحياة،كما يضمن لنفسه حزمة القات وقليلا من الفرنكات،يبقي ككلب صيد موكل بحراسة منزل سيده،ومن لا يعجبه الحال يركن الي ركن لا فيه ماء ولا أكل ولا ظل ولا قات،يموت موتا بطيئا،ولو بعد حين..الحلال هنا حرام،والحرام حلال،وفي هذه المدينة ينظر الي الإنسان العفري كشيطان رجيم خلق من نار،ينظر اليه كمخلوق منبوذ في السماوات والأرض،ليس له حقوق ولا واجبات،وهو أقل قيمة عن غيره!ولا يحمل القيمة الإنسانية التي تحمله قبيلة (الزعيم).

وهذه القبيلة لم تكن أفضل من غيرها،كما لم تكن تتميز بشيئ يميزها عن غيرها،إن لم تكن أقل.لكن عناية السماء ما زالت الي جانبها،الخليج بنفطه وماله وثرواته معها،والغرب وقوته العسكرية معها،وأمريكا بقواعدها البرية والبحرية والجوية معها،والصين الشعبية معها،تراعي مصالح الصينيين قبل الجيبوتيين.في هذه المدينة ضاع الحق وضل عن الطريق المستقيم،وفي هذه المدينة يتحرك صاحب الحق بحذر،وكأنه يمشي فوق أرض ملغمة،وإن تكلم يتكلم بحذر،وصوته غير مسموع،ولا مرغوب فيه.يخاف في داره،ويرتعد أكثر في الشارع،ويحس نفسه كسجين تراقبه الكاميرات من كل جانب،وكلاب السيد تطارده في خارج الوطن.المجتمع هنا يسبح بإسم السيد،وإن لم يفعل ذلك يطرد من وظيفته،إن كانت له وظيفة،والأغلبية في السجود والركوع.وطن مخيف،ومدينة مرعبة،تعيش الأغلبية في شك من أمرها،ولم تعد الناس تثق ببعضها،ولا بقضيتها.مدينة مخيفة،شكل شوارعها مرعبة،ومنظر إنسانها يدعوا الي القلق والحزن.الكل يتسول،نظام متسول في الخارج،والشعب يتضور جوعا وعطشا في الداخل،وإن لم يجد المتسول ما يضع في معدته الخاوية،يسهر سلاحه نهارا جهارا،والقانون هنا مع القوي الذي تدعمه القبيلة!فوضي عارمة في كل مكان،في الشوارع فوضي،وفي المساجد فوضي وسرقة،وفي المحاكم فوضي،وعويل وبكاء في مداخلها الداخلية والخارجية!وفي مكاتب الدولة فوضي ورشوة وظلم وقهر للعباد،في المطاعم فوضي،وفي المقاهي فوضي وغش،والناس هنا ضد القانون،ومن يريد أن يطبق القانون علي الأرض ويعيد الحياة الي طبيعتها،يغتال ليلا،ومن يريد أن يكشف اللثام عن الحقيقة الضائعة يذبح فجرا،ولو كان جنرالا في الجيش،ولو كان قاضيا في المحكمة،ولو كان خطيبا في المسجد! ومن يريد أن يبحث عن الجاني يتعرض للتهديد والوعيد أو القتل! إن لم يصمت كما هو حال الأموات في وآدي حمبولي.

وفي هذه المدينة يفكر كل مخلوق بإطعام نفسه،ومقاهيها مليئة بالشباب الذي فقد أمله بالحياة،بعد أن أدارت لهم الدنيا ظهرها،وبعضهم يتسكع علي الأرصفة،والبعض الآخر منهم يحبوا علي الأرض بعد أن فقدوا أطرافهم في ميادين القتال،ولا أحد يلتفت إليهم،وكأنهم عالة علي المجتمع!وسرق منهم ثمار النضال والكفاح بلمحة بصر! وفي مساجدها همهمة المصلين،بعضهم يصلي والبعض الآخر منهم يدع ربه،ولكل واحد منهم حكاية،ولكل حكاية قصة،ولكل قصة مرارة،كمرارة ورق القات الذي يؤدي الي مجموعة من الظواهر الجسدية،منها العزوف العصبي عن الطعام المعروف بإسم (أنوركسين)وإرتفاع ضغط الدم والتوتر العضلي العالي.وفي هذه المدينة للأنثي نصيب كبير من الظلم!ما عدي نساء القبيلة،وكل النساء يتعرضن للطلاق والضرب والركل والحرمان ما عدي نساء الزعيم! المرأة المماسنية تختلف عن غيرها من النساء،وكأنها جوهرة ثمينة نادرة يجب الحفاظ عليها من التلف والضياع!وإذا كان السارق عيسيا يحميه القانون!وأما إذا كان عفريا أو عربيا يطرد من جنة هراموس كما طرد آدم عليه السلام عن الجنة.وفي هذه المدينة يحمل بعض الوزراء أسماء الحيوانات المفترسة لشدة قساوتهم ولصوصيتهم مثل (ورابا كوري) (وورابا كاللهاي)وهذه علامة من علامات الإنحراف،وهذه المدينة لا تعرف الهدوء والإستقرار،لا ليلا ولا نهارا،ولا صيفا ولا شتاء،لكنها تبدوا هادئة،رغم تآكل مدنها الشمالية والغربية،وهي لا تختلف كثيرا عن مقاديشوا وأسمرة،حالها كحال المعسكرات النازية في زمن هتلر،وحالها كحال العراق في زمن صدام حسين..إذا كانت الحرب تترك وراءها ثلاث جيوش،فإن حرب جيبوتي تركت وراءها أربع جيوش:جيش من المشوهين،وجيش من الباكين،وجيش من اللصوص،وجيش من المعتلين نفسيا،وهذا الصنف لم يذكره الشاعر الألماني غوتا،وربما في المانيا لم تترك الحرب وراءها غير الثلاثة الذين ذكرهم الشاعر.ومن خرج من الحرب معتلا نفسيا،ليس كمن خرج منها مهزوما،المهزوم عندنا نسي سريعا أنه مهزوم ومنبوذ،لكن الذي خرج معتلا يعيش المآساة،ومرارة الهزيمة ما تزال في عقله الباطني،وليس هناك من يلتفت الي حالته!،يريد أن يرتاد المقاهي مع رفاق الدرب،لكن لا أحد منهم يعيره الإهتمام!وحتي الذي كان قائدا لهذه المجموعة المنبوذة لم يعد يفكر بهم!وربما يأت زمن يقدر فيه الناس عظمة هؤلاء الشباب الذين قذفتهم الثورة في مذبلة الوطن.

*ولا أحد يعرف أن لهذا الشباب قيمة عظيمة،تفوق قيمة من وقعوا عملية السلام الخادعة.وعلي حساب هؤلاء الملائكة حققت الشواطين مرادها في جيبوتي.

بقلم:إبراهيم علي

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Ibarhim Ali

شاهد أيضاً

هناك أناس سمعوا،أن الوطن غالي فباعوه!

تخيل أن تكون شخصا غير مرغوب فيه،تخيل أن تكون شخصا ينتمي الي مجموعة ضعيفة، فقيرة،منبوذة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.