بلادٌ مزيّفة

بقلم/ عبدالقادر عثمان

فقدتُ شهيّتي في كلِ شيء!
وأصبحتُ أرى الواقعَ مزيفاً،
بل هو كذلك
غير أنّا لا نمعن النظر سوى
في عيون الجميلات
اللاتي يخفين حقيقتهن خلف عدسات لاصقة!

لطالما أطربني أزيزُ الطائرات في طفولتي؛
كنت إلى سنواتٍ خلت
أحْلُمُ في أن أسافرَ
أو أمتلك طائرةً خاصة
تحملني حيثُ شِئْتُ
وفي أي وقت،
أترك خيالي يجوب أرجاء العالم
في رحلةٍ جوية
أرى الأرض خلالها كما صوّرتْها الكتبُ المدرسية أو أكبر.

كانت أمنيتي بسيطة جداً:
أن يحكِ الأطفال لبعضهم عنّي
أن أر ابتسامتهم المجانية
وأن يحلموا معي!
وها هم يحلمون برؤية هذهِ الكرة الشقية في كتابٍ مدرسيٍ بالأبيضِ والأسود
وأستاذٍ لا يغيب
ومدرسةٍ بعيدة عن الضجيج
لم تصلها أنياب الصواريخ.

صوتُ الطائراتِ اليومَ أصبحَ سخيفاً،
يبعثُ دائماً على الحزن،
ما أن يقتحم أسوارَ مدينتنا
حتى تفوح رائحة الموت!

***

يبدو لي المستقبل أكثر قبحاً من الآن
أكرهُ أن يحدِّثَني أحدٌ عنه!
أدركُ أن “المستقبل أجمل” عبارة زائفة
يرددها المترفون من أموال الشعب
ليخلقوا وهماً نعيشُ من خلالهِ
ويعيشون من خلالنا.

في بلاد قيل أنها “السعيدة”
يا لقبح سعادتنا
يا لتعسها
وبؤسها
وجوعها
وحزنها
وموتها
ندورُ في حلقةٍ مغلقةٍ
بدتْ كعنق زجاجة،
أي زجاجة لم تُفَضُّ بِكَارَتَها هذه!

منذ خمسِ سنواتٍ نعيش لحظةً موتٍ في فيلمِ رعبٍ نام مُخْرِجُهُ
وبقي الممثلون يكررون المشهد
حتى اللا نهاية.

أولئك الذين قالوا
إنهم جاؤوا من أجلنا
بدت سوءاتُهم
وطفقوا يخصفون عليهم من ريالات ودراهم النفط
علّها تخفي قبحَهم
لكنهم مزيّفون
والعواصف لا تتمخضُ خيراً.

***

لعل أفضلَ صديقٍ لي هو المذياع
لكنّي فقدتُ شهيتي لسماع هرطقاته
حين أدركت أنه لقنني زيفاً منذُ كنتُ في السابعة..

لطالما صنعت لنا هذه الآلةُ اللعينة
وهمَ الزعامة؛
فالحاكم الذي يقتلنا كان من المرسلين
والمعاناة التي سحقت أحلامنا
وانتزعت البراءة من عيوننا
ونصبت شباكها على شِفاهنا
وحيٌ يوحى.

قالوا لنا فيها:
إننا خُلقنا لنقول سمعاً وطاعة،
لنفديهم بأرواحنا ودمائنا فقط،
ولنتحدث عن حريةٍ لا نملكها
وديمقراطيةٍ لا نعرف معناها
وأمنٍ لم نشعر به.

وكانوا يقولون في المذياع أيضاً
“إن لدينا حكومة وميزانية ومشاريع”
ولا شيء من ذلك حقيقي.

كل شيء مزيّف.

وأنا لست أنا!
إلا حينَ أكتب؛
أنتظر زيفي حتى ينام
لأقول شيئاً من الحقيقة.

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن المحرر المحرر

شاهد أيضاً

وزير دفاع حكومة صنعاء في زيارته الميدانية يخذر من العواقب إذا استمرت دول العدوان في جرائمها.

جريدة السلام – متابعات خاصة . قام وزير الدفاع في حكومة الانقاذ الوطني بصنعاء اللواء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.