موقعان إستراتيجيان

موقعان استراتيجيان

بعد أن اتخذ المستعمر البريطاني من عدن محطة مهمة في رحلاته إلى درة تاج مستعمراته – الهند – وأصبح يستعمر بلدانا عدة في المنطقة، فقد دفع التنافس بين بريطانيا وفرنسا الأخيرة إلى احتلال جيبوتي عام 1842 على الجانب الشرقي من سواحل البحر الأحمر، واستمر هذا الوجود الفرنسي في جيبوتي إلى عام 1977، حيث تم استفتاء السكان الذين كان عددهم نحو 250 ألف نسمة، والذين يبلغ عددهم حاليا نحو 750 ألف نسمة، ليقرر 98٪ من بينهم الحصول على نيل الاستقلال، وليكون محمود حربي الذي أطلق اسمه على أكبر وأشهر ساحة في مدينة جيبوتي، من شهداء المطالبة بهذا الاستقلال.

إلا أن جمهورية جيبوتي بمساحتها الصغيرة – 23 ألف كيلو متر مربع – القاحلة والقليلة الموارد، اتفقت مع فرنسا على توقيع معاهدة حماية، قضت بإبقاء جنود وقاعدة بحرية كبيرة في العاصمة جيبوتي، وبقي مئات من السكان الفرنسيين الذين كان يمكن رؤيتهم في الأسواق والمحلات العامة وفي المؤسسات التعليمية وفي غيرها من مؤسسات، يمارسون أعمالهم بانتظام، ولأن القرن الأفريقي الذي تقع عليه جيبوتي له أهمية استراتيجية في المنطقة، فإن الأمريكيين أقاموا لهم قاعدة بحرية أيضا، أضيفت إلى القاعدة الفرنسية، علما بأن جيبوتي بعد عام 1977 وبعد استقلالها تحولت إلى ميناء مهم للاستيراد والتصدير لإثيوبيا التي حرمت من الموانئ الإرتيرية، بعد أن كانت إريتريا تابعة لها، واستقلت عنها بعد حروب مريرة، تركت آثارها السيئة بين البلدين. أما الآن فتصدر إثيوبيا عن طريق ميناء جيبوتي موارد ومحاصيل متعددة بواسطة قوافل سكة حديد ناشطة بين البلدين، وتستورد كل ما تحتاجه من بضائع وسلع أيضا.

عفر وعيسى

لذا وبعد أن أصبحت جيبوتي ميناء التصدير والاستيراد لإثيوبيا وللمناطق المجاورة الأخرى، خفف هذا إلى حد ما، من الاحتقان الذي كان قائما، وربما ما زال مستمرا في الخفاء – بين المكونين السكانيين الأساسيين في جيبوتي، أي بين العفر والعيسى. ففيما يتعلق بالعفر، تفيد بعض المصادر بأن جوانب من تكويناتهم وأصولهم تعود إلى الجزيرة العربية، وعندما استقروا في القرن الأفريقي، اختلطوا مع التكوينات السكانية القائمة في المنطقة، لينتج من ذلك تكوين جديد هو العفر، الذين يتكلم الكثيرون منهم اللغة العربية، أو يفهمونها. ويمكن الإشارة هنا إلى أن العفر مكون مهم في إثيوبيا أيضا.

أما التكوين الثاني في جيبوتي، فهو من قبائل العيسى الصومالية، وكانت إثيوبيا والصومال قد خاضتا صراعا داميا لإلحاق جيبوتي إلى كل منهما، خصوصا في سبعينيات القرن الماضي، إلا أن التغيرات السريعة في المنطقة، خصوصا بعد استقلال اريتريا عن إثيوبيا، وحاجة هذه الأخيرة لجيبوتي، وبروز التشققات في الكيان الصومالي، ووجود معاهدات مع الفرنسيين والأمريكيين كذلك، فإن انضمام جيبوتي للجامعة العربية ومنظمة الدول الأفريقية ومنظمة الأمم المتحدة؛ إن كل ذلك كان لا بد له من أن ينعكس في تخفيف الاحتقانات بين المكونين العفري والعيسوي في جيبوتي، واستكانا للمحافظة على استقلال البلاد ومحاولة بناء دولة يقبل فيها كل طرف بالآخر. لذا فإن تسللت بعض مراكب اليمنيين من الشواطئ الغربية للبحر الأحمر إلى الشواطئ الشرقية منه، خصوصا إلى جيبوتي بركابها الذين تضرروا من الحرب القائمة في اليمن، واللجوء إلى جيبوتي، فإنهم كانوا يعرفون أن لهم أقارب وأولاد عمومة بين سكان جيبوتي، وسيتم إسكانهم بينهم بالضرورة والاستثناء.

٭ كاتب فلسطيني

سليمان الشّيخ

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Ibarhim Ali

شاهد أيضاً

أنين المآسي في غزة . واستشعارها في صنعاء.

– الحرب غيرت وجه قطاع غزة إلى دمار شامل.. فأنين الجوع يدمي القلوب في غزة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.