قراءة في المشهد السوداني _ عبدالمعين عبدالسلام

تفجرت الاحتجاجات الغير المسبوقة في السودان والتي أدت إلى زوال حكم البشير الذي استمر لثلاثة عقود ، بسبب الإحباط والغضب اللذين تراكما عبر الزمن بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالخبز والوقود وفيم بعد اتخذت المطالب مسارا وبعدا سياسيًا آخر بعد إنضمام مجموعات سياسية مختلفة وجمعيات عمالية ومجتمعات مدنية إلى الاحتجاج دعت الرئيس عمر البشير إلى التنحي، و استمر تدهور الاوضاع الاقتصادية في السودان لسنوات، خاصة بعد استقلال جنوب السودان بشكل أكثر تحديداً ، لان السودان فقد إيراداته الكبيرة من صادرات النفط والغاز مما أدى بدوره إلى تفاقم الأوضاع وتسبب بشكل رئيسي بانهيار الاقتصاد السوداني، فمنذ استيلاء الحكم العسكري على سدة الحكم في البلاد في ثمانينيات القرن المنصرم، دخلت السودان في دوامة من الصراع والحروب الأهلية التي جرت البلاد إلى الهاوية واوقعتها في ازمات سياسية واجتماعية واقتصادية طاحنة واضر الحكم الشمولي للبشير بالمصلحة الوطنية وتبني النظام دعم الامتداد الأيديولوجي الاسلامي أدى إلى عزلة شاملة وفرض عقوبات حالت دون تقدم السودان وعدم تفرغه للقضايا الداخلية التي كان الأجدر الاهتمام بها.

و خوفا من الاحتجاجات ، وعد البشير الذي تولى السلطة عن طريق الانقلاب الذي دبر له رفيق دربه وخصمه السياسي لاحقا الدكتور حسن الترابي في عام 1989 ، وعد بالخروج باستثمارات أجنبية جديدة لعلاج الأزمات الاقتصادية الحالية. بالإضافة إلى ذلك ، اقترح بنك السودان المركزي أيضًا خططًا لزيادة إيرادات البلاد من خلال جلب المزيد من العملات الصعبة وطباعة المزيد من الأوراق النقدية.

و قبل أشهر من إقالته ، اتهم البشير طرفًا ثالثًا بتأجيج الاحتجاج واستخدامه في أجندته الخاصة، وقال البشير خلال خطابه في ولاية الجزيرة “بعض الخونة والعملاء والمرتزقة والمتسللين يستغلون مشاق الحياة اليومية الحالية لتخريب وخدمة أعداء السودان”.

ومع ذلك ، فقد أدى إضفاء الطابع الخارجي على المشكلة ومحاولة تهميش مطلب الجمهور إلى مزيد من الاحتجاجات التي أدت إلى فقدان البشير سلطته على الرغم من حكم دام ثلاثة عقود على السودان بقبضة من حديد.

ففي 11 ابريل 2019 اليوم الحاسم في الثورة السودانية ، نزل عشرات الآلاف لاف السودانيين إلى الشوارع متجهين إلى محيط ” القيادة العامة للقوات المسلحة” بالخرطوم، بدعوةأطلقها “تجمع المهنيين السودانيين” عبر شبكات التواصل الإجتماعي، للمطالبة بـ “الحرية، والسلام، والعدالة”،وسرعان ما تحول الآلاف الى ملايين يهتفون ضد البشير ونظامه بـ ” تسقط بس”، وواجهت تلك التظاهرات محاولات عديدة منقوات الأمن لتفريقها باستخدام القوة، والتي اسفرتالى سقوط العديد من القتلى والمصابين، مما أدى ذلك الى تدخلالجيش، وتخليه عن الرئيس السابق،ونقل السلطة الى المجلس العسكري الانتقالي برئاسة الفريق اول عوض بن عوف.

وبهذا التحول يشهد السودان تحولا بارزة في تاريخه حيث تم الإطاحة بالرئيس عمر حسن أحمد البشير الذي تربع على عرش السودان زهاء ٣٠ عاما وهي من بين أطول فترات لحكم السودان في العصر الحديث، وتمت الاطاحة به من قبل الجيش بعد أشهر من الإحتجاجات العارمة، اذا اطاح به الجيش استجابة لمطالب الشعب بعد ان رأى فيه تحديدا لوحدة واستقرار السودان وخطرا على شعبها خاصة بعد التصريحات الخطيرة التي نسبت اليه وتسربت الى وسائل الإعلام من بعض القادة العسكرين، حيث نسب اليه قوله في اخر إجتماع له مع بعض قادته العسكرين ان المذهب المالكي الذي يتبعه اهل السودان يجيز له قتل ثلث الشعب ليعيش الثلثان وان بعد المالكية تجاوزوا ذلك ليجيزوا الحاكم قتل نصف الشعب، بغض النظر إلى صحة ما نسبه البشير إلى المذهب المالكي من اجازته إراقة دماء المسلمين لا شك، أن التفكير وهذا الاعتقاد يشكل خطرا جسيما على أهل السودان ويدل على أن الرجل كان رجل سلطة بإمتياز وانه كان سيذهب إلى مدى بعيد من العنف والقتل والتشريد والتهجير لو إنقادت له القوات العسكرية في سبيل التشبث بكرسي الرئاسة والبقاء فيه الى اخر نفس من حياته.

وجاء خبر إقالته في نفس اليوم 11 أبريل 2019 ، حيث قيل إن حينها ان الرئيس رهن الإقامة الجبرية ، و في وقت لاحق من ذلك اليوم ، أعلن الفريق أحمد عوض بن عوف ، وزير الدفاع ونائب الرئيس ، إقالة البشير من السلطة وأن الرئيس السابق لنا تحت الإقامة الجبرية في مكان آمن ، كما بشر بيانه ببدء السودان صفحة جديدة في تاريخه حاملا لعشرات الالاف من الثوار أملا جديدا بغد جديد مشرق ومزهر وديمقراطي، وأعلن الفريق عوض بن عوف عن إنشاء مجلس عسكري انتقالي سيبقى في السلطة لمدة عامين وإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، شكل هذا منعطفًا مفاجئًا للأحداث في السودان ، بعد ساعات من بيان إقالته وإنشاء مجلس عسكري ، عبر الثوار عن استيائهم وقالوا إن هذا ليس هو التغيير الذي كانوا يتوقعونه، حيث لم يقبلوا الاعلان ودعوا الى مواصلة الاحتجاج والاعتصام، الشباب السوداني الذي خرج في ثورته من اجل المطالبة بتغيير النظام منذ ديسمبر 2018 لم يقبل تسمية الفريق عوض بن عوف رئيسا للمجلس، لقربه الشديد من الرئيس البشير والعلاقة العائلية التي تربطه به حيث انه متزوج من إحدى شقيقات الرئيس وقد أعطى هذا سببا وجيها للثوار لرفضه وللوقوف في وجهه ورفض حكم العسكر بشكل عام رفض تعيين الفريق أحمد عوض بن عوف رئيسا للانتقال العسكري على وجه الخصوص، وعبر شباب السودان بشدة بأنهم لا يريدون رؤية الجيش والمطالبة بتشكيل حكومة مدنية.

اما تجمع المهننين السودانيين الداعم الاكبر للثورة فقد اعلن رفض البيان العسكري بعد دقائق فقط من صدوره بعد إقالة البشير و ، قالت جمعية المهنيين السودانيين ، إنها ضد استيلاء الجيش على السلطة. وجاء في للبيان
“نحن نؤكد أن الشعب السوداني لن يقبل أي شيء أقل من سلطة انتقالية مدنية تتألف من مجموعة وطنية من الخبراء الذين لم يشاركوا في النظام المستبد”، كما دعت الجمعية إلى مزيد من الاحتجاجات ودعت الجيش إلى تسليم السلطة لشعب السودان.

أجبر استمرار الاحتجاجات الفريق الركن أحمد عوض بن عوف على التنحي بعد 24 ساعة فقط من توليه السلطة. سخر الشباب السوداني من الحدث ، ووصفوا بن عوف بأنه مزيل عرق الذي يستمر لمدة 24 ساعة فقط بعد رشه على الجسم.

استمر الاضطراب السياسي حتى بعد أن غادر الفريق عوف المجلس العسكري وحل محله الفريق عبدالفتاح البرهان والذي يصوره البعض بأنه قريب من الثوار وليست لديه أية انتمائات سياسية أو حزبية ولا تشوب سيرته العسكرية أية شوائب، رغم أن البعض ينتقد دوره في قيادة جنود الجيش السوداني في حرب اليمن، والبعض يتوجس خيفة من علاقته بالإمارات والسعودية اللذان يقودان حرب علمية على تنظيمات وحركات الإسلام السياسي حول العالم، لذ ربما يعارض غالبية المتظاهرين حكم المجلس العسكري ويطالبون بتشكيل حكومة مدنية.

الموقف الإثيوبي وعلاقته مع السودان

عندما يتعلق الأمر بعلاقته بإثيوبيا ، فإنه يحافظ على صداقته مع الحكومة الإثيوبية على الرغم من تغيير القيادة داخل الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي (EPRDF)،في الواقع ، تعود علاقته بالحزب الحاكم الاثيوبي إلى الثمانينيات حيث كان يقدم الدعم للمقاتلين آنذاك من الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الاثيوبي وخاصة جبهة تحرير شعب تغيراي(TPLF) منذ ذلك الحين يحافظ السودان على علاقته الوثيقة مع إثيوبيا ، في كافة المجالات، الاقتصاد والسياسة والقضايا الاجتماعية.

بعد تولي رئيس الوزراء أبي أحمد (دكتوراه) السلطة ، خشي الكثيرون من أن العلاقة بين البلدين قد لا تكون كالسابق، ومع ذلك في فترة الاحتجاجات ، أرسلت إثيوبيا اثنين من كبار مسؤوليها ؛ نائب رئيس الوزراء ديميقا ميكونين ووزير خارجيته ، وورقنه جبيهيو ، لم تأتي زيارة المسئولين عن طريق الصدفة حيث أكد كلاهما على موقف حكومتهما القوي عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الثنائية بين إثيوبيا والسودان.

تجدر الإشارة إلى أنه قبل أشهر قليلة ، جاء الرئيس البشير ، بناءً على دعوة من رئيس الوزراء أبي أحمد إلى إثيوبيا إلى جانب كبار مساعديه بمن فيهم وزير خارجيته ورئيس الاستخبارات الوطنية، و افتتح الزعيمان مجمع جيما الصناعي وبحضور الزعيم الجيبوتي، الرئيس إسماعيل عمر غيلة.

بعد الاستيلاء العسكري ، استجابت إثيوبيا من خلال وزارة الشؤون الخارجية للتطور الجديد وأصدرت بيانًا أعتبره البعض غامضا ولكن رحب بالتغيير ودعا إلى تسليم السلطة إلى المدنيين.

إثيوبيا اعربت عن ثقتها في أن السودانيين سيتغلبون على هذه اللحظة الصعبة، وانها تحترم تمامًا سيادة السودان واستقلاله السياسي وتأمل بإخلاص أن يجد جميع أصحاب المصلحة السياسيين السودانيين حلاً سلميًا للمشكلة ، وذلك وفقًا للبيان الصادر عن وزارة الخارجية.

و ظل السودان لسنوات حليفا للحكومة في إثيوبيا وهناك الكثير من البرامج المشتركة بين البلدين في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

في محاولة لتشكيل نوع من التحالف الإقليمي ، و بعد أيام من تولي السلطة ، أرسل المجلس العسكري الانتقالي مبعوثا للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لاطلاع القيادة الإثيوبية والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد، على تطورات الأوضاع في البلاد بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير، مؤكدا التزام المجلس بوعده بتسليم السلطة للشعب.

وإلتقى أعضاء الوفد برئيس الوزراء ابي أحمد ومسؤولين من وزارة الخارجية وناقشوا القضايا الثنائية المشتركة والأوضاع في السودان كما أصدر مكتب رئيس الوزراء بيانًا اعرب فيه عن تقديره للجهد الذي بذله الجيش والذي أخذ زمام المبادرة لتلبية مطالب الشعب السوداني.

وأكد عضو المجلس الفريق الركن جلال الدين الشيخ الطيب في تصريحات بعد لقائه في أديس أبابا، وزيرة الدولة بالخارجية الإثيوبية هيروت زمني، أنّ انحياز القوات المسلحة للشعب يأتي استجابة لرغباته في التغيير وتجسيدا لتطلعات كل فئاته نحو حياة أفضل، ولا يعد انقلابا عسكريا أو طمعا في سلطة، واضاف الركن جلا الدين الشيخ ، “إن رسالة رئيس الوزراء أبي كانت إيجابية وبناءة”، وتابع: “لن تتغير جميع اتفاقياتنا الدولية “، ولفت الشيخ إلى استقرار الأوضاع الأمنية بالبلاد، قائلا إنّ المجلس يعي دوره تماما، وبدأ حوارات ولقاءات مع مختلف مكونات المجتمع، ووضع خططا لمخاطبة كل فئات الشعب السوداني، ويبذل جهودا لاختيار رئيس للوزراء تمهيدا لتشكيل حكومة مدنية لتسيير دولاب العمل.

وأكدت وزيرة الخارجية الإثيوبية بدورها عن ثقة بلادها في أنّ يخرج السودان من هذه المرحلة أكثر قوة وصلابة، وأنّ منظمة الإيجاد التي أصدرت بيانا عن الأمر، تتفهم التطورات التي يمر بها السودان، وأنّها تدعم جهوده نحو الاستقرار.

موقف الاتحاد الافريقي

بقراءة سريعة للمشهد الإقليمي وموقفه من الحالة السودانية، نجد بداية أن الاتحاد الأفريقي لم يكن بمعزل عن ما يجري في السودان وتأثير تحركاته على الأوضاع في المحيط الأفريقي، حيث قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي إن مجلس السلم والأمن بالاتحاد سيجتمع لاتخاذ قرار بشأن السودان، مقترحاً المساعدة في مفاوضات المرحلة الانتقالية كما دعت قمة دول الساحل والصحراء إلى انتقال سلمي في السودان، ودعا الاتحاد الأفريقي المجلس العسكري بالسودان للتفاوض مع القوى السياسية والمدنية في تسيير المرحلة الانتقالية، وأمهل المجلس العسكري ١٥ يوما لتسليم السلطة للمدنيين قبل اتخاذ خطوة تجميد عضويته في الاتحاد وقال: جاهزون للذهاب إلى السودان للمساعدة في التفاوض بشأن المرحلة الانتقالية، وأضاف فكي أن مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي سيجتمع لاحقاً لاتخاذ قرار بشأن ما يحدث في السودان، وهذ ما حصل لاحقا إذا كان الفكي في السودان خلال اليومين الماضيين للمساعدة في الخروج بحل توافقي في السودان، ودعوة العسكر إلى تسليم السلطة في اسرع وقت ممكن.

موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من التغيير

و أثارت إطاحة الجيش بالرئيس السوداني عمر البشير، الكثير من ردود الفعل الدولية، أجمعت في مجملها على ضرورة الانتقال السريع للسلطة إلى المدنيين، في حين يصر منظمو المظاهرات على مواصلة الخروج إلى الشارع حتى تحقيق ذلك، على الرغم من إعلان حالة الطوارئ التي فرضها الجيش.

ودعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، مساء الخميس، الجيش السوداني إلى نقل السلطة “سريعاً” إلى المدنيين، مشيرة إلى رغبة الشعب السوداني في التغيير.

وفي بيان لها قالت موغيريني: “وحدها عملية سياسية موثوق بها وشاملة بإمكانها أن تلبي تطلعات الشعب السوداني وأن تؤدي إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يحتاج إليها البلد”.

أمريكا لا تعتبر ما حدث انقلاباً

أما وزارة الخارجية الأمريكية فامتنعت عن عدِّ ما حدث انقلاباً، لكنها قالت إنها تدعم الديمقراطية والسلام في السودان، وتعتقد أنه ينبغي أن تكون الفترة الانتقالية المتاحة للشعب السوداني أقل من عامين.

وقال روبرت بالادينو، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في مؤتمر صحفي: “ينبغي أن يقرر الشعب السوداني من يقوده في مستقبله”.

وأضاف أن “الشعب السوداني كان واضحاً في أنه يطالب بعملية انتقالية بقيادة مدنية. ينبغي السماح له بذلك في فترة أقل من عامين من الآن”.

السعودية والإمارات يعلنون دعمهم

مع التطورات المتسارعة في السودان ومطالبة قوى الثورة المجلس العسكري الانتقالي بالانتقال الديمقراطي وتسليم السلطة لمجلس مدني، تسارع وفود من السعودية والإمارات ومصر نحو الخرطوم لمد جسور التعاون والدعم مع الحكام العسكريين الجدد، و اعلن السفير السعودي لدى السودان، علي بن حسن جعفر، عن مساعدات ستصل السودان خلال الأيام المقبلة، وفقا لتوجيهات العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية السودانية، كما نقلت الوكالة يوم الأربعاء أن البرهان ونائبه التقيا وفدا سعوديا-إمارتيا بالقيادة العامة، وبحث الوفد العلاقات بين الدول الثلاث، وأكد دعمه ومساندته للسودان خلال هذه المرحلة التاريخية. السعودية والإمارات كانتا من أوائل الدول التي اعترفت بالمجلس العسكري السوداني، وقامتا بإرسال شحنات من المواد النفطية والدقيق والأدوية، دعما للسودان، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات، حول محاولة الدولتين السعودية والإمارات وضع ثقلهما في دعم المجلس العسكري الانتقالي في السودان برئاسة عبد الفتاح البرهان، اثارات هذا التهافت للمساعدة ريبة الثوار واسترع انتباه المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم ولم يلق ترحيبهم، ويرى الناشطون أن تزامن هذا الاستقبال مع الاتصالات بين الرئيس المصري ورئيس المجلس العسكري، تدل على وجود إرادة بإظهار موقف سوداني جديد ينسجمُ مع مصالح هذه الدول، مما اثار حالة من الجدل بشأن موقف السودان من أطراف الأزمة الخليجية، التي بدأت بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب، وقطر من جانب آخر، في 2017.

مصر تبدي استعدادها للدعم

وقد وصل مؤخرا إلى العاصمة السودانية وفد مصري رفيع المستوى يقوده رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، سبقه اتصال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس المجلس الانتقالي الفريق الركن عبد الفتاح برهان، أكد خلاله الأول دعم مصر الكامل لأمن السودان واستقراره ومساندتها لإرادة الشعب وخياراته في صياغة مستقبل بلاده والحفاظ على مؤسسات الدولة، معلنا اعتزامه زيارة السودان خلال الأيام المقبلة، مؤكدا استعداد بلاده تقديم الدعم بمختلف أشكاله للسودان، بحسب وكالة الأنباء الرسمية السودانية.

الثوار يتخوفون من سرقة ثورتهم.

ويرى العديد من الناشطين السودانين والثوار أن ثورتهم يتربص بها ويراد سرقتها مما إستدعاهم تنبيه الثوار في الميدان وحثهم على إبقاء الاعتصام مفتوحا أمام مقر القيادة العامة حتى تتحقق مطالبهم.

وكتب الصحفي محمد مصطفى حول تخوفه من هذا السيناريو قائلا “أن المعلومة إن صحت فهي تؤكد ما رشح عن سرقة الثورة بتدخلات سعودية وإماراتية في تشكيل المجلس العسكري، وبداية صناعة سيسي جديد، مما يستوجب تدخلا عاجلا من الثوار وقوى الحرية والتغيير وتسريع تسليم السلطة لحكومة مدنية”، كما غرد الناشط تاج السر عثمان قائلا “على مدى سنوات والسودان يعاني من أزمات الوقود والخبز وتدهور العملة، ولم يلتفت إليه أحد، وعندما انتفض الشعب لنيل حقوقه والعيش بكرامة أتت الوفود لتحول بينه وبين أهدافه”. وبحسب ناشطين سياسين سودانين فإن السعودية والإمارات ومصر متخوفة من تحول ديمقراطي حقيقي في السودان، أو تصدير التجربة الديمقراطية إلى هذه الدول، كما أنها متخوفة من سحب الجنود السودانين في اليمن ويسعون إلى إبقاء التعاون العسكري في اليمن، واحتواء المجلس العسكري وقطع الطريق أمام قوى الثورة من الدخول إليه، لأن هذا إن حدث فسيؤدي إلى تحولات كبيرة، في مقدمتها ترتيب السودان علاقاته الدولية بشكل جديد، وربما ينسحب هذا على وجود الجنود في اليمن وعلى العلاقات مع السعودية والإمارات ومصر. الثوار يرفضون هذه تدخلات هذه الدل جملتا وتفصيلا ووصفوها بمحور الشر، مطالبينها بأن ترفع يدها عن مسار التغيير في السودان.

مستقبل السودان في ظل هذه التطورات

ومن خلال قرائتنا للمشهد السوداني نحاول استشراف مستقبله و تتضح معالمه جلية اليوم لكل من يستطيع قراءة مآلات الأمور إن استمر الأمر دون ظهور اتجاه أيديلوجي جديد وان صدق العسكر مع انفسهم وشعبهم وسلموا السلطة إلى قوى مدنية مختارة من الثوار ورفضوا عروض القوى الخارجية المتربصة بالتغيير، في هذه الحالة لا شك أن السودان مقبل على حقبة تاريخية مزهرة ومستقبل ديمقراطي مشرق تتحقق فيه جميع طموحات الشعب وتطلعاته.

اما المخاوف فهي كثيرة وهي تتمثل أولا في احتمالية انفلات الأمن خاصة إذا أصر المجلس العسكري الاحتفاظ بالسلطة لفترة طويلة وعدم تسليمه لمجلس مدني مما يستدعي الثوار أيضا إصرارهم على موقفهم، كما أن التدخل الخارجي يحدد مستقبل الثورة السودانية، وهذ التدخل الخارجي غالبًا هو الذي يطيح بكل الحلول المحلية ويجعل إمكانية التوافق مستحيلة فهو يسعى لكسر إرادة الشعب بحكومته وكياناته ويسعى لإنتاج كيان جديد وزرع نظام بديل يتبع للخارج ولا يخالف مصالح الدول المتغطرسة ويظل تابعًا لها كما ولو أن الشعل تحرر من قيود حكامه السابقين ليقع في قيود أخرى أشد منها خبثًا وقسوة،

مع هذا كله الامل معقود على إصرار الثوار على تحقيق مطالبهم والبقاء يقظين من محاولة سرقة ثورتهم كما أننا نرى في الشخصية السودانية املا بتركيبتها والمعروف عنها تكافلها وتعاضدها ، وتواضعها زبساطتها وجرئتها وشجاعتها، لذا الأمل الكبير معقود عليها في الحفاظ على الثورة والعمل من اجل المصلحة العامة للسودان ولشعبه الكريم وهذا يشكل فارقًا في رفع آمالنا لإخراج السودان إلى مبتغاه في النمو والازدهار والوصول إلى حكم ديمقراطي يختار فيه الشعب حاكميه وممثليه، و يضمن للشعب حياة كريمة تتوزع فيها الفرص بالتساوي وتنهض بها الأمة وتزدهر وتواكب في تقدمها الدول المتحضرة بل وتصبح من مصافي تلك الدول لان السودان مؤهل لذلك بما يملكه من امكانات وثروات، وبهذا يسحب الثوار البساط من تخت كل من يخطط لتنفيذ أجندة خارجية تضر بمسار الثورة وتنكس إرادة الشعب السوداني، الذي عانى الأمرين وصبر حتى نفد صبره وتنسم أخيرًا أملًا جديدًا وعانقًا حلمًا فريدًا، و لذلك ينبغي على قوى “اعلان الحرية والتغيير” تقوية الجبهة الداخلية، وامتلاكهالرؤية واضحة من خلال إيجاد آلية سياسية وقانونية،تبني من خلالها جسور الثقة والتعاون بين كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين و بلا استثناء أحد ، فالخيار الديمقراطي لابد ان يكون هدفا وطنيا استراتيجيا، وتكون المرجعية العليا في حكم البلاد ممثلة في الدستور، لتحمي بها الديمقراطية، من الطامعين للوصول للسلطة بطرق غير شرعية عبر الانقلابات العسكرية او غيرها، فلابد اننتجنب تكرار الاخطاء التاريخية من تجاربنا وتجارب الاخرين، فلا تقدم دون إثراء الوعي الديمقراطي لجميع الأحزاب والمواطنين، واعتبارالديمقراطية من الثوابت الاستراتيجية للوطن.

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن عبدالمعين عبدالسلام محمد

الاسم: عبدالمعين عبدالسلام محمد ناشط إثيوبي حر في مجال الصحافة المؤهل: ▪الثانوية العامة من المعهد العلمي الإسلامي في دولة الإمارات ▪شهادة باكلريوس في الاتصال الجماهيري قسم الصحافة من جامعة الإمارات ▪شهاداة في تحرير الأخبار من هيئة و إذاعة الإمارات وتليفزيون ابوظبي ▪حاصل على عدة شهادات من خلال المشاركة في عدة دورات

شاهد أيضاً

اليونيسكو تمنح رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد جائزة السلام

منحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو”، جائزة السلام لرئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور أبي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.