Iyasu

الإمبراطور الإثيوبي: اليج الياسو والعفر.( الجزء الثاني)

 

بقلم المؤرخ : عراميس حومد سلّي .
الباحث المشارك في المركز الفرنسي للدراسات الأثيوبية.
———–—————————-
ترجمة: عوض داؤد محمد .

خلع الإمبراطور ليج الياسو والدعم العفري له

لقد جري خلع الإمبراطور الشاب في 27 سبتمبر 1916 ،أي في يوم عيد مسيحي مجيد،…….، علي يد الطبقية الأرستقراطية الأثيوبية ،في إقليم شوا،بعد الحصول علي حرمانه من العرش من بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية : البابا ماتيوس.(1) .

وفي هذه المناسبة،فقد برر القائمين علي عملية الانقلاب ضد الإمبراطور،إجراء خلعهم له،بأسباب تتمثل في الكفر و الارتداد عن الدين المسيحي، (2 ) واعتناقه للدين الإسلامي ، الذي هو دين أجداده وأسلافه. وهكذا جعلوا المسيحيين يعتقدون إلي انه وضع الإمبراطورية بذلك في خطر محدق (3 ).

وكانت الدول الاستعمارية الكبرى المجاورة،( انجلترا،وفرنسا،وايطاليا)،قد دعمت وغذت هذه الاتهامات.لأنها كانت مستاءة من الإمبراطور الشاب،وتأخذ عليه ،أولا، تقاربه الحثيث إلي الإمبراطورية العثمانية التركية، بالنظر إلي سياق أجواء الحرب العالمية الأولي السائدة آنذاك والتي كانت  تركيا طرفا فيها كحليفة لألمانيا، وثانيا ، معارضته لسياسيتها،في مناطق نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، وأخيرا ، سياسته المناوئة والمعادية للمستعمرين ،المترجمة بدعمه المقدم لمحمد عبد اللّي حسن، (أو المولّى المجنون،في أعمال مؤرخي الاستعمار الإنجليزي) الذي كان يخوض الحرب ضد الانجليز،في شمال الصومال، وفي العلاقات المتينة التي نسج خيوطها مع العفر. وكان الفرنسيين والايطاليين ينظرون وقتها إلي العفر كأعداء محتملين لقيامهم بإزاحة العفر من التجارة مع أراضي المرتفعات الحبشية .
وكان الإمبراطور الشاب يتواجد في هرر، وقت خلعه عن العرش . وبعد أن حاول جاهدا نفي الشبهات التي كانت تثقل كاهله،وخصوصا، تهمة الكفر والارتداد عن الديانة المسيحية،قام بتجميع أشياعه ومريديه في المنطقة والتي كان العفر يقطنون منها منحدرات هضبة هرر، ومن ثم غادر مدينة دردوا في 11 أكتوبر، علي رأس جيش بنية التوجه مشيا علي الأقدام إلي العاصمة . واشتبك مع قوات شوا، المرسلة للقبض عليه،في موقعة ميسيو،علي مقربة من محطة سكة الحديد،في شمال البلاد. وتعرض جيش ليج اياسو بالهزيمة في هذه المعركة، إلا انه تمكن من الإفلات من الوقوع في يد الأعداء بفضل العفر،وعاد إلي وينا هرر،علي منحدرات شوا. وهنا،دخل في عقد صفقة لتجنيد العفر، في المنطقة من اجل إعادة تشكيل حرسه الخاص الذي،هرب العديد من أفراده تحت التهديد بالحرمان الصادر من بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية : البابا ماتيوس.
وكان الإمبراطور الشاب يعتمد علي مواصلة نشاطه الحربي،في بقية الأجزاء من المنطقة،في وسط أشياعه وأتباعه، ولا سيما عند الأروميين. وكان يفكر في الدعم الذي قدمه لهم . في الحقيقة كان الإمبراطور المخلوع ،قد أقام وارتبط بعلاقات خاصة مع رؤساء قبائل أرومو التي ينتمي إليها، والذين كانوا ” من خواصّه” منذ وصوله علي العرش.

وعلم، ليج اياسو، وهو علي طريق أنكوبر،بهزيمة جيش والده،في ساجلّا،بتاريخ 27 أكتوبر1916 ،أمام جيش شواء،بقيادة فتوراري هبتا جيورجي دينجدي(5)، و ديجز(6) ، بلشا فاشو(7 )، والأروميين. ودفع هذا التطور الميداني ،الإمبراطور الشاب المخلوع، إلي استئناف الهجوم ضد أتباع خصومه من سكان شوا،في المرتفعات، ولكن في خارج مناطق العفر، ولذا لن يجد الدعم الحاسم من منطقتهم، إلا أنه لم يصب بخيمة أمل من موقف رؤساء قبائل أرومو الذين لم يديروا له ظهره فحسب،بل قاموا بالتعزيز والتقوية برجالهم موقف خصومه الذين يحاولون القبض عليه .

 

” إن المناطق الوحيدة التي ظلت موالية للإمبراطور المخلوع والتي استمرت في الدفاع عن نفسها،إلي النهاية، كانت الأقاليم التي يقطنها العفر، المحاطة بمدينة ويناهرر. وعبر رأسا وينا هرر،نجحت أخيرا إعاقة وعرقلت وتضليل المطاردة الشرسة للإمبراطور المخلوع .
ولم تنجح مناشدة ودعوة ليج اياسو،سائر قبائل أرومو، إلي نصرته ودعمه،كما نجحت عند العفر.وكان الإمبراطور المخلوع، قد حاول ( سعي) إلي تجميع وحشد قوة كبيرة من مناطق: فرسي،ارباوايو، وجيلي_ اروسو- من خلال زعمائهم التقليدين امثال: ابّاداري واني، جيبوبو اليي ،عمر اليشا جارسو،فيتواري دينجو اومييروأتو ميهيشو اربيسو،والذين كانوا جميعا من حاشيته في اعوام ( 1912-1916 ) والذين تخلوا عنه وأداروا له ظهورهم في وقت كان في أمس الحاجة إليهم ( احمد حسن عمر 1997 : 143- 144) ”

ودفع هذا الوضع الإمبراطور المخلوع: ليج الياسو، إلي مغادرة هذه المنطقة بمساعدة العفر ،واللجوء إلي قلعة مجد الله، في شمال واللّو، عن طريق دسي. وبعد عودته إلي منطقة نفوذ عائلته،دارت المعركة بين قواته وقوات رأس أباتي ،تعرض فيها جيش ليج الياسو، للهزيمة، إلا انه تمكن من الهروب، والنجاة بنفسه.

وفي 27 أغسطس عام 1917 ،وقعت معركة أخري في واللّو بين الإمبراطور المخلوع وبين فتوراري هبتا جيورجي ،وزير الحربية.وانتصر هذا الأخير في تلك المعركة،وفرّ ليج الياسو، من جديد، وقدم لاجئا،ومعه مجموعة صغيرة من حرسه وخدمه،إلي سلطنة أوسا، والي حضرة السلطان يايو محمد حنفري ( المعروف ب : دتا يايو،(8) ( والذي حكم السلطنة في الفترة الممتدة من 1910 إلي 1927 )(9)، والذي استقبله استقبالا كبيرا يليق بمقامه،وظل ينعم بواجب الضيافة المقدس لدي العفر. وأقام في احدي خيام السلطان الكائنة في جسّي-سنة،والمقامة علي ربوة ( أو تل ) في نواحي أيسعيتا ( عاصمة السلطنة)، ومحمية بسبعة أسوار من الأحجار الجافة الموصولة. وأطلق عليها الأثيوبيين فيما بعد باسم “الياسو-جورا “، والتي تعني باللغة الأمهرية : تل الياسو/ أو ربوة الياسو.

وان اختيار الياسو اللجوء إلي عند السلطان يايومحمد حنفري،في أوسا، يمكن في اعتقاده انه القادر وحده علي تقديم الحماية له في تلك الأوقات الصعبة من حياته. وجاء لجوء الإمبراطور المخلوع إلي أوسا، بعد عام من إحكام السلطان علي زمام الأمور في السلطنة واستتاب الأمر له أخيرا في السلطنة ، بعد صراع مرير ودام علي السلطة ، جري بينه وبين أخيه غير الشقيق : حنفري محمد حنفري، ( المعروف لدي العرف بكنية: حنفري ابن ركّية )(10). وكان هذا الأخير يحكم جزءا من السلطنة( بعد التقسيم المبرم بينهما في عام 1910 ،بموجب تحكيم رأس ميكائيل الذي كان يرعاه.

صورة تمج الملك إياسو والاميرين على اليار راس موكنن (هيلي سيلاسي) ، بيرو

وتؤكد المعلومات القليلة التي في حوزتنا،عن فترة إقامة الإمبراطور المخلوع: ليج الياسو، كلاجئ سياسي في سلطنة أوسا، إلي انه عاش مسيحيا، يشرب الخمر،الذي كان خدمه يجلب له عن سورجحو.

التداعيات والنتائج التي ترتبت علي العفر من دعمهم للإمبراطور المخلوع : ليج الياسو.

لقد دفع العفر،غاليا ثمن تورطهم في الصراع علي السلطة في الإمبراطورية الحبشية،وانحيازهم إلي جانب الإمبراطور المخلوع : ليج الياسو.

واستهدفت الأعمال الانتقامية الأولي،العفر القاطنيين،علي طول سكة الحديد،من مدينة دردوا،إلي أفدم. ففي أكتوبر 1917 ،قامت القوات الإثيوبية المنتصرة علي قوات : ليج الياسو،بفرض الحجز علي بيوتهم. ( مرسي هازن ولدي كركوس ، 2007 : 114 ).

وكما تعرضت أيضا للحجز ممتلكات عائلة: نجّدراس أبوبكر محمد أبوبكر، في اديس أبابا،وفي بقية المناطق الأثيوبية الأخرى.ولجأ نجّدراس،بنفسه إلي تجورا،التي كانت حامية فرنسية في ذلك الوقت.وهناك قد حاول استنفار قوات للذهاب بمساعدة صهره. وفي ابريل 1917 ، طلبت الحكومة الأثيوبية من الفرنسيين السماح لها بإلقاء القبض عليه،بأية طريقة كانت. وأعطي الموافقة علي هذا الطلب أولا شفاهة من الوزير الفرنسي المفوض في إثيوبيا: موريس دي كوبيت، للوصي علي العرش رأس مكونن ،و لوزير الخارجية: ديجاز موليجيتا، وجري التأكيد عليه مجددا من الوزير الفرنسي المفوض في رسالته المؤرخة في 14 يونيو1917 ،والمرسلة مكتوبة بالكلمات الآتية:

” في هذه الرسالة (الرسالة المؤرخة في 10 ابريل،لوزير الخارجية الإثيوبي،) لقد أجبت بيومين،بعد أن كنت قد أرسلت ببرقية لفيلون،وفي 20 ابريل لجيبي، قمت بإحاطتكم علما علي التوالي، انتم ، والسمو الإمبراطوري :رأس رفاري( تفاري) إلي انه ليس لدينا، حاكم جيبوتي وأنا،أي اعتراض ،بقيام القوات الإثيوبية،بالبحث للقبض،ولو علي التراب الفرنسي،علي رجل يعتبر عدوا لنا ولكم في آن واحد.”( هنري لابروس 1992: 239 ).

وان الإمبراطورة: زوديتو مليلك (1917-1930 )،و رأس تفاري مكونن ،ولي العرش،الوصي علي العرش،قد طلبوا في مرات عديدة من السلطان:يايو محمد حنفري،تسليم ليج ياسو،وطلبوا منه الحضور إلي اديس-أبابا. ونفي سلطان أوسا وجوده في أراضي سلطنته. ورفض الانصياع لأمر الحضور إلي اديس-أبابا، مثيرا علي عدم استطاعته ركوب الحصان لكبر سنّه.وبعض مصادرنا للمعلومات تفيد إلي انه أبلغت :زوديتو، وتفاري،إلي انه لا يعترف أصلا بحكمهم.(11). وتأكدت هذه المقولة في إعادة النظر بدفع الخراج.

وأرسلت الحكومة الإثيوبية في 30 مارس 1919 ،حملات عسكرية لتأديب عفر أوسا،وسلطانهم، والتي تقدرها المصادر الشفهية بعشرات الألوف من الرجال(12) . فجات احدي هذه الحملات العسكرية من إقليم واللّو،والأخرى من إقليم شوا، والثالثة من إقليم هرر. وأسندت قيادة هذه الحملات العسكرية إلي رأس كبدا مانجاش أكيتام،(13 ) .والذي كان قد عين في السابق بوقت قصير،حاكما لإقليم واللو. وكان قد عين في قيادة الجيش خلفا رأس كسا هيّلوا،الذي اعفي عن هذا المنصب بسبب إخفاقه في إلقاء القبض علي الإمبراطور المخلوع : ليج الياسو.

وكان يصاحب القوات الإثيوبية القادمة من شوا،بقيادة : أزاز ميسيسيا من انكوبر،ابن السلطان الأسبق : محمد ايداحس، ويدعي: علو، بينما كان يرافق القوات الإثيوبية الأخرى الغازية لأوسا، السلطان المخلوع : حنفري محمد حنفري(الأخ غير الشقيق لسلطان اوسا : يايو محمد حنفري )

وتجنب السلطان: يايو ، الذي كان علي علم بتحركات القوات الإثيوبية الغازية، خوض الحرب معها،وانسحب مع ضيفه وكل أمواله وممتلكاته، إلي منطقة بلحو. وهي بلدة حدودية الواقعة في شمال غرب ما يعرف حاليا بجمهورية جيبوتي، حيث يستعصى علي القوات الإثيوبية مطاردته فيها.

و أقامت القوات الإثيوبية الغازية قاعدة عسكرية لها في بالي،في واحة أوسا.وقامت بحملات عسكرية تمشيطية حتى بلدية حارسة، الواقعة علي غرب بحيرة العفنة ( أبحي-بذا).وفي الطريق قامت القوات الإثيوبية الغازية بخطف الماشية، وقتل الرجال،وحرق البيوت والزرع.وفي هذه المناسبة أطلعتنا بعض مصادرنا علي أن المخطوطات اليدوية القيمة التي كتبها العلماء المحليين ، والتي كان معظمها يحتوي علي منظومات شعرية لمدائح النبي محمد (ص) توابعها. وشروح لبعض الأحاديث النبوية الشريفة، وأيضا قصائد مخلّدة للوقائع التي جرت في المنطقة، قد أحرقت وأبيدت بالكامل،خلال هذه الحملات التمشيطية العسكرية للأثيوبيين المسحيين لسلطنة أوسا(14).

وبسرعة فائقة،وجدت القوات الأثيوبية الغارية نفسها، أمام تفشي الأوبئة في صفوفها، وخصوصا، وباء الزحار الذي تسبب في سقوط العديد من الوفيات في صفوف القوات الأثيوبية الغازية. وبعدها، قرر رأس كبّدا،الانسحاب في 19 مايو،اي بعد اقل شهرين فقط من قدومها إلي أراضي السلطنة ، تاركا وراءه، بلا حماية، حليفه حنفري بن ركيّة، الذي كان قد نصب نفسه من جانب واحد،سلطانا لسلطنة أوسا، بعد عودته تحت رماح القوات الأثيوبية الغازية إلي عاصمة السلطنة، بعد الانسحاب التكتيكي للسلطان : يايو محمد حنفري ، قبيل غزو القوات الإثيوبية لأراضي السلطنة، بينما واصلت قوات رأس كبّدا،في أثناء انسحابها،من أراضي السلطنة،الهجوم علي العفر،وخطف مواشيهم .

وتقدم المصادر الإيطالية، الحصيلة الآتية لهذه الحملة العسكرية لسلطنة أوسا

 

وبعد أن علم بانسحاب القوات الأثيوبية،تمكن السلطان: يايو محمد حنفري، بدون مقاومة، من استعادة السيطرة علي عاصمة السلطنة: أوسا،واصطياد أخيه غير الشقيق: حنفري،وأتباعه. ومات حنفري،أثناء هروبه إلي شوا،علي هجوم شنه عليه عفر بعدوا.

وعاد ليج ياسو،وحرسه وخدمه للإقامة من جديد، إلي قلعته تل الياسو/ أو ربوة الياسو.

ومن نظر المؤرخين التقليديين الإثيوبيين الذين يرفضون القبول بوجود هذا العصر من السيادة العفرية القادرة علي توفير حماية اللجوء السياسي ليج الياسو،منذ سبتمبر 1916 ،يقولون إلي انه كان تائها في صحراء العفر.

رحيل ليج الياسو من اوسا متوجها إلي تجراي واعتقاله .

وفي غضون النصف الثاني من عام 1919 ،غادر ليج ياسو،سلطنة أوسا بملء إرادته،للقيام بزيادة إلي عند رأس سيوم،في تجراي(15).وكان ليج ياسو قد اتخاذ هذا القرار،حسب المصادر الشفهية، اثر مباحثات سرية واتصالات مسبقة،مع هذا الأخير، المتزوج من إحدى أخوات ليج الياسو.وتم إحاطة رحيله إلي تجراي ، بسرية تامة،بفضل استخدام السلطان:يايو نفوذه لدي رؤساء قبائل العفر في المناطق المجاورة لإقليم تجراي في المرتفعات، الأمر الذي سهلّ انتقاله إلي هذا الجزء من هذا الإقليم الإداري الذي يدير زوج شقيقته،دون أن يعترض طريقه،من عملاء رأس جوجسا،حفيد جوهانيس الثاني،الذي كان يدير الجنوب والجنوب الشرقي لإقليم تجراي.

وسافر ليج الياسو،برفقة عدد صغير من خدمه، تاركا الباقين منهم للسلطان : يايو، من بينهم شخص يدعي:تساما.

وتم تفسير نية القرار الأخير للإمبراطور المخلوع للرحيل إلي ناحية تجراي، وكذلك موقف رأس تجراي،بإشكال مختلفة في الأدبيات الإثيوبية الموجودة. ويعتقد البعض أن ليج ياسو،كان ينتظر من صهره الدعم لمحاربة الحكومة المركزية، ولإعادته إلي سدة الحكم في الإمبراطورية. ويصعب تخيل صحة هذه الافتراضية. لأن رأس سيوم، رجل حذر، لم يتظاهر بالتضامن مع صهره في السابق،عندما كان بوضع أفضل مما عليه الآن . و كان ليج الياسو،الذي سئم العيش في المنفي ببلاد العفر، يود تسليم نفسه إلي الحكومة المركزية. وكان قد تظاهر بما يوحي بسأمه وتعبه من العيش في المنفي، في اللحظات الأخيرة من إقامته في السلطنة. وهكذا،ألم يكن يتذكر هكذا،أمر تسليم نفسه طواعية ،الموجه إليه في مرات عديدة،والمحاول إثارته من النساء.

وكان ليج الياسو،قد تلقي وعدا من رأس سيوم،بأنه سيبذل المساعي الحميدة لدي السلطة الشرعية من اجل التفاوض علي أحسن الظروف لتسليمه .وتم تأكيد هذه الافتراضية من المصادر الإيطالية التي ذكرها القائد دودس،من البعثة البريطانية في رسالتها المرسلة في أغسطس 1920 .وفي غضون مباحثات مطولة وسرية،مع العامل السري الايطالي في عدوا،سنيو بولير في مكلّي،كان رأس سيو قد ابلغ ليج ياسو باتصالاته مع خالته الإمبراطورية زوديتون التي كانت ترغب بتسليمه ( نقلا عن هاجوس جي/جوهانيس ،2003 :61 )

.وأثار هيلي سيلاسي في مذكراته محاولة رأس سيوم،إجراء الصلح بين ليج ياسو وبين خالته الإمبراطورية زوديتون،وبينه شخصيا .( نقلا عن هاجوس جي/جوهانيس ،2003 :66).ومع ذلك ،فقد امتنع بان يضيف إلي أن ذلك الإجراء قد فشل بسبب معارضته، والإصرار علي طلبه المتمثل في الاستسلام غير المشروط.

وغادر ليج الياسو،أراضي تجراي، الواقعة تحت سيطرة راس سيوم،وتوجه إلي الجزء الواقع من أراضي تجراي ،تحت سيطرة وإدارة رأس جوجسا أرايا ،حفيد جوهانيس الثاني. وباشر هذا الأخير بإيقافه بسهولة في 28 يناير 1921، وتسليمه في 21 مايو 1921، بمدينة دسي،إلي يد رأس تفاري مكونن شخصيا.

مليلك الثالث يخلد ذكري ليج الياسو.

ظلت ذكري ليج ياسو، حيه لدي العفر،من خلاله ابنه : مليلك ليج ياسو،والذي ولد في أراضي سلطنة تجورا عام 1917 ، والتي كانت في ذلك الوقت حاميه فرنسية، والتي كانت أمه قد لجئت إليها للإقامة عند أهلها وأقاربها. وكان يمكن لوالدته ان تختار له اسم والدها: أبوبكر، أو اسم جده من الأب: محمد .ومع ذلك فقد فضلت أن تختار له اسم مليلك ،تسمية بجد والده من الأم ،مؤسس وباني الإمبراطورية الإثيوبية الحديثة.

، حيث بدأت الإدارة الفرنسية تهتم به ،عشية الغزو الإيطالي لإثيوبيا،وبعد أن سال ملك الملوك هيلي سيلاسي، ما إذا كانت الحكومة الفرنسية ترغب في أن تسند إليه مسئوليه الشاب المراهق،ليتولي تربيته وتنشئته كابن له.
وقامت الحكومة الفرنسية،إذ ترفض هذا الطلب،بتخصيص نفقة للشاب مليلك ، الذي يعيش في مدينة تاجورة،مع ابن خالته، السلطان:حومد محمد إبراهيم،(سلطان سلطنة تاجورة في الفترة الممتدة من 14 ديسمبر إلي 21 ابريل 1962) ……؟ ومن ثم وضعته السلطات الفرنسية تحت المراقبة المشددة،خوفا من قيام الايطاليين بترتيب رحيله، إلي إثيوبيا.(16 ).

ومع قدوم حكومة فيشي الفرنسية الموالية لألمانيا، إلي قمة الإدارة المستعمرة الفرنسية في الإقليم،وقيام الحلفاء بفرض الحصار عليه، تراخت المراقبة المفروضة علي الشاب مليلك ليج الياسو،الذي حرم من جرّاء ذلك من النفقة المالية التي كان يستلمها حتى ذلك الوقت. وفي عام 1941،وبفضل وساطة عائلة أمه،تمكن مليلك ليج ياسو،من إقامة اتصالات سرية، مع واحد من إخوته ويدعي: جوهانيس،الذي كان يقود المقاومة ضد القوات الايطالية المحتلة في منطقة جونذرا.وغادر مليلك ليج الياسو،مدينة تاجورة،برفقة مجموعة صغيرة من بينهم أبناء خالاته وهم : داؤد عبد الله، ومحمد موسى إبراهيم(المعروف ب وركو)(17 ) وعلي عمر (18)،علي متن سفينة متجهة إلي عصب،إلا ان السفينة الحربية البريطانية،قد اعترض طريقة سفينتهم في عرض البحر،للتفتيش والتحقق من هوية ركابها، وهنا أعطي لهم مليلك ليج ياسو،هوية مزورة باسم مستعار: محمد حسن،خوفا من الانجليز،الذي كان يعرف أنهم حلفاء هيلي سيلاسي، أن يقوموا بتسليمه إليه (19 ) .ومن ثم تم اقتيادهم مع سفينتهم إلي مدينة عدن، حيث مكثوا فيها ثلاثة أيام، قبل أن يتم إطلاق سراحهم، وعودتهم إلي عصب. وبعدها، رحلوا إلي باتي . وهناك علم مليلك بعودة هيلي سيلاسي،وتسليم أخيه نفسه لهذا الأخير، الأمر الذي دفعه إلي العودة،خائبا ، من حيث أتي .

وفي نهاية تلك السنة نفسها، تفاوض أقارب أمه حول إمكانية عودته إلي إثيوبيا مع هيلي سيلاسي،المتوج للتو،كإمبراطور إثيوبيا،علي ولي عهده : أسفا وسن. وكانت أمه التي توفت بعد ذلك بسنة في دردوا ،هي رافقته في تلك الرحلة. ومن أقام ، ومعه اثنان من أبناء خالاته وهما :محمد موسي (وركو) ، و عمر علي (20)،في قصر ضيافة، قضي فيها مدة أربعة أعوام متتالية،تحت حراسة مشددة، ومن ثم نقل إلي حي افنكو بير، ليقيم في منزل مهجور، تم أجر له بعيد الانقلاب الفاشل من الإخوة نيوي،في ديسمبر1960.
وكان هذا الحادث الذي يصادف حدثا يستحسن ذكره،ويتمثل في الوصول إلي سدة الحكم في المستعمرة الفرنسية جيبوتي، ابن خاله،علي عارف برهان. فقد سمح له هيلي سيلاسي،أن ينتقل للإقامة،في دردوا، وفي اسابوفي منطقة هررجي الغربية،حيث قام باستئجار 5 هكتارات من الأرض،ومزاغين من الأرومو يقومون بزراعتها بالمؤاكرة ( عقد استئجار ارض يتقاسم به المستأجر والمؤجر علّتها).واستفاد من المساعدة المقدمة من الحاج مومي ادوس،صهر ابن خالته السيد:محمد موسي، للحصول علي أخصب الأراضي الزراعية، والاستقرار فيها

ولم يخلف مليلك الثالث،وراءه ذرية من الأولاد.

************************************** الهوامش

1 ) اسقف ( مطران) ورئيس أساقفة، وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية المتشيعة لمذهب الطبيعة الواحدة.
2 ) ظل بعض المؤرخين المحدثين يفسرون دوما سقوط الإمبراطور” ليج ياسو” بهذا السبب المتعلق باعتناقه للدين الإسلامي.ولكنه جري التشكيك في صحة ذلك السبب في عام 1937 ، أي بعد عشرين مضت علي خلعه، من قبل احد القائمين بعملية الانقلاب والمستفيدين من خلعه. ألا وهو الإمبراطور: هيلي سلاسي،حيث ذكر في الفقرة التالية من مذكراته: حياتي والتقدم في أثيوبيا. ” بينما كان ليج ياسو، يضاعف إقامته في دردوا ،و هرر ،و جيج جيجا،لتجميع العفر،والصومال والذي كان يغدق عليهم بالهبات و بالسلاح ،و يمضي معظم وقته معهم للظهور بمظهر الحليف لهم. وكانت تدور وقتها شائعة ، والتي كان المسلمين يلمحون فيها، بشكل ساخر،إلي أنه لم يكن مسيحيا ولا مسلما “( نقلا عن برهانو ابيبا،200 :328.).

وفي يوم التالي،لوقوع الانقلاب،لم يذكر رأس تفاري،اعتناق ليج ياسو للدين الإسلامي،ولكنه ذكران سبب خلعه هو إهماله للعرش،والديانة المسيحية،وقيامه بعملية تقوية وتعزيز للدين الإسلامي، في رسالة بعثها إلي رأس سييوم منجيشة ، حاكم ولاية تجراي،بتاريخ :13 أكتوبر 1916 ،لكي يبرر فيها،عملية انقلاب ضد خليفة مليلك الثاني. وطالبه فيها بالاعتراف للإمبراطورة :زوديتو، و له شخصيا كسلطة شرعية في البلاد.وابلغه إلي ضرورة تعاونه معهم من اجل حماية الإمبراطورية المسيحية.( نقلا عن هاجوس جي/جوهانيس،2003 : 56 ).

3 ) قصيدة أفا ورك، المؤرخة في 9 ديسمبر 1916، شاهدة علي المقارنة المقامة بين ليج ياسو وبين الإمام أحمد ” جران” آفة إثيوبيا (المرجع: آلان رويود 1991 : 265 )
4 ) ( اقرأ وثيقة : منشور الأمراء والشعب الإثيوبي، المنشور في ملحق مقال برهانو ابي بي )

5) من أهالي شوا، جندي بسيط في جيش رأس جوبان داشي، يعتبر أشهر مساعد أرومو لمليلك الثاني،واشتهر في معركة عدوا الذي شنها هذا الأخير ضد الايطاليين،الأمر الذي أدي بترقيته إلي رتبة فتوراري، ومن ثم أصبح وزيرا للحربية في عام 1908 ،المنصب الذي ظل يشغله لحين وفاته في عام 1926.

6 ) تصغير لتبة ديجز ماش.

7 ) رقيّ إلي رتبة ديجز ماش،بعد معركة عدوا في عام 1896 ، التي هزم فيها الأثيوبيين الإيطاليين ، ومن ثم عين حاكما لولاية سيدامو، والتي ظل يحكمها طيلة ثلاثين سنة. وبعد وفاة يلمة مكونن، الأخ الأكبر لتفاري مكونن ( الذي عرف فيما بعد ب هيلي سيلاسي)، خلفه في حكم ولاية هرر في الفترة الممتدة من عام 1907 إلي عام 1910 ،بينما كان الشاب تفاري فد أخد مكانه علي رأس سيدامو. وبعد عام 1916 ،قد اسند إليه من جديد حكم ولاية سيدامو، حيث ظل يحكمها حتى عام 1928 ، وهو تاريخ إيقافه إثر نزاعه مع الحكومة. وجري السماح له بعد ذلك في العيش في قريته أجمجا ، في بلاد جوراجي، وعاش فيها حتى لحظة وفاته في عام 1936،في الهجوم علي أديس أبابا،الذي كانت قد جري احتلالها للتو من قبل الايطاليين.

Portrait of Lij Iyasu (1895-1935), heir to the throne of Ethiopia, 1910, from L’Illustrazione Italiana, Year XXXVII, No 17, April 24, 1910.

8 ) يايو الأسمر.
9) تواريخ فترة حكمه.
10 ) حنفري ابن ركّية ،كنيته، نسبة إلي اسم والدته

11) انظر أيضا،كنفي-رجب زليكي، 1982 :14
12 ) تتحدث المصادر الإيطالية عن 6000 مقاتل إثيوبي.مرجع: لوك لوبي ،2009: 954 .
13 ) ابن رأس بت وديد مانجاشا أتيكام ، وكان هذا الحليف المخلص لتفاري مكونن (الذي عرف فيما بعد بلقب:هبلي سلاسي الأول)، قد عزل عن منصبه كحاكم واللّو. في سبتمبر 1928،ليحل محله في حكمها ابنه الأكبر:أسفا ووشين. وتوفي في عام 1940.المرجع جاميس ام سي كان،1987:125.
14) حوار مع الشيخ محمد عبد الله.عد حمّد ( أفنبو) 11 مايو 2006.

15 ) بعد ا عادة التنظيم الإداري للإمبراطورية، في عام 1910 ،قسّم إقليم تجراي،إداريا ،إلي منطقتين : الجزء الغربي وعاصمته عدوا، وأسندت إدارتها إلي رأس سيوم. والجزء الجنوبي،والجنوب الغربي،وعاصمته ميكلي،وأسندت إدارتها إلي رأس جوجسا سيلاسي .وبعد وفاة هذا الأخير في عام 1933.ورث ابنه: ديجز ماش جوجسا سيلاسي ، من والده تلك الإدارة الفرعية التي تتبعها ثلاث بلدات كبيرة، من بينها مدينة أكسوم التاريخية، والممنوحة في السابق لابن عمه، ومنافسه رأس سيوم . وكما عين أيضا كقائد عسكري لعموم إقليم تجراي.ولم يسمح لهيلي سلاسي جوسا،أن يرث والده بلقب رأس. ولذا ظل حاقدا علي الإمبراطور، وتعاون مع الإيطاليين أثناء احتلالهم لإثيوبيا،في الفترة الممتدة من 1935- 1941

16 ) جونتران جوبان،2001،: 135 .
17 ) وكان هذا الشخص هو والد أمين محمد موسي ،مدير موقع عفر فروم.
18) عيلا علي عمر،علي الطريقة العفرية،من المخلصين الأوفياء للأمير الشاب.وعاش بجواره حتى مماته .
19) حوار مع بشير عبده محمد في اديس أبابا بتاريخ 7 ديسمبر 2009.
20 ) البريد الكتروني للسيد: أمين محمد موسي

الخاتمة

قام الإمبراطور الشاب: ليج الياسو، في فترة حكمه القصير،بمبادرة دمج العفر في الدولة الإثيوبية،بدء من القاطنين في أسفل مرتفعات هضبة شوا. ولم تكن تزعج تلك السياسة – انطلاقا من سياسة أسلافه – حكام امهر،فحسب،بل كانت تزعج القوي الاستعمارية المتواجدة في السواحل. وبعد خلعه، استطاع ليج الياسو،أن يقيس أمانة العفر،وسلطان أوسا.

وعلي كل الأحوال،يعتبر الإمبراطور: ليج الياسو، الإمبراطور الإثيوبي، الأول الذي فطن،برغم صغر سنّه،وارتباطه بالعقيدة المسيحية،ضرورة عدم تهميش سكان أراضي المنخفضات ،بسبب الصراعات التاريخية والدينية.

سير ذاتية:

احمد حسن عمر: الإسلام،والتجارة،والسياسة في مملكة إيفات ( إثيوبيا الوسطي)في القرن الرابع عشر الميلادي: بروز مدينة ملتقي طرق: اليو وامبا، أطروحة الدكتورة في التاريخ.جامعة باريس الأول- بنتي يون سربون : 2007.

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.