وهل تصبح الغربة بديلا عن الوطن؟

عزيزي-عبدالله جديتوا

اكتب اليك صديقي عبدالله جديتوا من أحدي الحدائق السويدية،وعيني مرة علي الورق لتدقق ما تملي عليه نفسي المشتاقة الي الوطن،ومرة تراقب السماء التي تركتها الشمس بعد غروبها..هنا في السويد لا نعلم الكثير عن الشمس وغروبها الجميل بالإحمرار الأرجواني الفاقع والأصفر الذهبي اللامع.وجمال الغروب وما تركه لي من الأمس الماضي سحر قلبي وحال بيني وبين الرسالة التي كنت أحررها اليك عزيزي لأعرف قليلا عن أخبارك وأحوالك في المغرب..تركت القلم والورق لأراقب الغروب،ولم أصدق أن الشمس غابت وحل محلها الظلام الدامس..وكل ذلك علمت بعد أن أشعلت الفوانيس الكهربائية في أطراف مدينة إسكليستونا الجميلة..ماضي الإنسان يتخذ من ذاكرته بيتا،لا يبرحه قط،لشد ما هو رهيب.ومن يرغب في أن يتخلص من ماضيه عليه أن يهدم هذا البيت،وهدمه يعني هدم الذاكرة وما تحمله من ذكريات،وهذا طبعا من المستحيلات ما دام الإنسان حيا يرزق..هكذا يتحول الإنسان الي عبد مكبل في السلاسل والأغلال في سجن الماضي.وكما يحب الإنسان وطنه الأصلي يحب الديار الذي أستقر بها،ولا يصدق الإنسان هل هو فعلا أحب العيش في الغربة أم أحب فيها الناس الطيبون الذين يصادفهم في الشوارع والمستشفيات والمدارس والمكتبات العامة والمطاعم  والقهاوي..وهل تصبح الغربة بديلا عن الوطن؟

واكتفي لكم بهذا القدر،وحفظكم الله

في حوزتي رسائل كثيرة،ولكن لهذه الرسالة مكانة خاصة في فؤادي،لأنها رجعت الي صاحبها بعد 19 عاما،بعد أن طافت في أصقاع العالم شرقا وغربا،ولم يتغير فيها شيئ،وكأنها كتبت بالأمس القريب،تغيرت أحوال الدنيا وناسها ولكن رسالتي كما تركتها أنا،إنها لم تتنكر لي،رجعت لي وكأنها أشتاقت لي بعد أن ضلت طريقها لأسباب تقنية.

إبراهيم علي

Mars,1999

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Ibarhim Ali

شاهد أيضاً

هناك أناس سمعوا،أن الوطن غالي فباعوه!

تخيل أن تكون شخصا غير مرغوب فيه،تخيل أن تكون شخصا ينتمي الي مجموعة ضعيفة، فقيرة،منبوذة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.