شفا العفري

الرابع والعشرون من مايو … هل هو يوم استقلال ام يوم استغلال ؟

الرابع والعشرون من مايو …
هل هو يوم استقلال أم يوم استغلال ؟

فقط الإنسان هو الوحيد الذي باستطاعته أن يبتكر كذبة ثم يصدقها بنفسه قبل غيره . .

التاريخ يعج بمفاهيم وإيدلوجيا تحولت وتغيرت وصارت مضادة تماما لما كانت عليه في بواكيرها.

نبي الله عيسى عليه السلام الذي بعث نبيا في بني اسرائيل يدعوهم للتوحيد و الهدى والابتعاد عن الضلال — تم تكذيبه وتعرض مناصرره و المؤمنون به لأصناف من التعذيب والتشريد والاضطهاد لعقود من السنين ؛ مما جعلهم في عزلة تامة عن العالم المحيط بهم، الأمر الذي أدى الى تحريف الغاية من تلك الرسالة .

و يخبرنا بعض المؤرخين الغربيين أن العقيدة المسيحية بقيت على حالها بحدود 200 عام ؛ ليطرأ عليها بعد ذلك تحول جذري بعدما تم اعتبار المسيح ابن الله واستمرت هذه النظرة للسيد المسيح لبضع مئات من السنين قبل أن تتحول الرؤية المسيحية إلى الرب ذاته من خلال تلك الصورة التثليثية المعروفة لدي كبريات المذاهب المسيحية وليس كلها ..
وقدحدث ما يشابه ذلك بشكل مطرد في فترات ليست بالقصيرة عند بعض الفرق الإسلامية ممثلة بالشيعة حيث إن شيعة سيدنا على كرم الله وجهه بعد أن تعرضوا للاضطهاد من قبل الأمويين و العباسيين ، وبعد أن فرضت عليهم عزلة تشبه عزلة أصحاب المسيح عليه السلام .
والتشيع لم يكن مذهبا ، بل كان كبار الصحابة والتابعين من شيعة علي — كرم الله وجهه — وإنما كان عبارة عن مناصرة من قبل هؤلاء الصحابة لقضية عادلة يؤمنون بها .
لكن هذه العزلة كما هو معلوم أدت إلى فرض معطياتها بفعل الزمن والتعرية الفكرية للمعسكر المخالف لهم ، الأمر الذي جعل الشيعة يعادون ويلعنون الصحابة ظنا منهم أنهم قد أخذوا حق علي في الخلافة ، بل تمادت بعض فرقهم إلى تكفير سيدنا علي نفسه —كرم الله وجهه— مثل فرقة “الكاملية ” لانه سكت عن حقه في الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليهم وسلم .

ومن خلال ماسبق ، فإن الطريقة التي نتناول بها مفهوم الاستقلال في مواقع التواصل الاجتماعي توحي لكل متابع حصيف أن وتيرة التحول في هذا المفهوم قد أصابت تفكيرنا نحن الارتريين كما أصاب القوم الذين سبق ذكرهم في مقدمة هذا المقال .

وهذا بالتاكيد تحول خطير وذلك من خلال وصف بعض الإخوة يوم الاستقلال بيوم الاستغلال ؛ ممادفعه إلى تجريم الاحتفال به ، وذلك بعد أن سرق النظام الحرية كما سرق أحلام المواطنين، وأزاح البسمة من أفواه الأطفال الذين يموت بعضهم يوميا بسبب سوء التغذية ، فضلا عن إساء ته إلى المواطنين والعمل على تشردهم قوافل واحدة تلو أخرى ؛ ليموتوا إماغرقا في البحار والمحيطات ، و إماعطشا في الفيافي والقفار !!
وهم البقية الباقية ممن قضت عليهم الحروب العبثية التي افتعلها النظام مع دول الجوار فلم تسلم من مؤامراته دولة من دول الجوار المتمثلة بالسودان واليمن وإثيوبيا وجيبوتي ..
وبعد هذا كله من حقي أن أتساءل :
هل يبرر كل هذا العبث، وذلك الظلم، وتلك الحماقة أن نمقت الحرية ونتنكر ليوم الاستقلال؟

إني أدعوكم معي للتأمل في الكيفية التي سيكون عليها حال الإرتريين اذا لم يكن هناك تحرير، ولم يكن هناك في خريطة العالم دولة اسمها ارتريا ، لا هوية لها ، وبدون جنسية ، وشعبها مجهول النسب حيث مارحت وغدوت ؟؟؟؟
وحينها إما ان تدعي انك مواطن للدولة التي تحتل بلدك أو تبحث عن مبررات ؛ لتقنع من يسألك عن أصلك وأنك من أرض محتلة تدعى إرتريا غير المعترف بها دوليا ولا يقر لك العالم بها .
أقول هذا وأنا على يقين وقناعة تامة : إنه لاأحد يكره الحرية ولا الاستقلال ، بيد أن هناك أمورا — بحسب رؤيتي —تنحو منحى خاطئا من حيث أن تتحول ذكرى الاستقلال من يوم فرحة الي يوم مأساة ، وذلك من خلال تلك المعارك التي تدور رحاها بين المناصرين للنظام من جهة وبين معارضيه من جهة أخرى .

ومن وجهة نظري فإن المناسبات الوطنية لا تمت بصلة للنظام ، وأن الفرحة بالمناسبات الوطنية مشروعة ومحبذة ، بل يجب الاحتفال بها حتى لا تتحول الأيام الوطنية الخالدة في وجدان الشعب إلي أيام نكبات ممقوتة .
وعلينا أن ندرك أن دماغ الإنسان يقبل المتناقضات و له قابلية لأن يعتقد بالشيء وضده في آن واحد ، و أنه متى حجب عن نفسه التأمل والتفكر اعتقد أن الذكريات المؤلمة التي تركتها ممارسات النظام العنصرية والمستبدة ستترك لديه أثرا كبيرا ؛ مما سيعكس ذلك الأثر في نفس الفرد الإرتري الي درجة اختلاط المفاهيم عنده بحيث لن يستطع بعدها أن يدرك أو يفرق بين ما هو ايجابي او سلبي .

الحرية والاستقلال جاء ا من خلال أنهار من الدماء الزكية …من تضحيات رجال شجعان ومن خيرة أبناء الوطن الذين ضحوا بأرواحهم من الحرية ،كماقال شوقي :

وللحرية الحمراء باب
بكل يد مدرجة يدق

مجحف من يعتقد أن الجبهة الشعبية هي الوحيدة التي يرجع لها الفضل في تحرير إرتريا … التحرير والاستقلال لم يكونا ليتحققا إذا لم تقم الخلايا السرية التي سبقت انفلاق صبح الثورة بعملها المتمثل بالتمهيد للثورة ، ولم يكن ليتحقق هذا الاستقلال قبل القضاء على هيلي سيلاسي من قبل جبهة التحرير وكسرة هيبة الاحتلال من خلال الحاق الهزائم المتتالية لنظامه ، وكذا تحرير أجزاء واسعة من البلاد .
ثم إن هذا الرهط الذي أسس الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا هم في الأساس جبهايون تحريريون . ولا ننكر الفضل للجبهة الشعبية التي كللت هذا الكفاح بالنصر المبين حيث قادت الكفاح حتى الاستقلال وضحت بما ضحت وقدمت الغالي والنفيس . ولابد من الاعتراف بهذا الفضل رغم مآخذي الكبيرة على الجبهتين .

لقدأعجبتني هتافات بعض الأصوت التي تفصل بين ممارسات حزب الجبهة الشعبية الديمقراطية والعدالة وأدوار تلك الجبهة التي قادت الكفاح وحققت النصر ، بدليل أن بعض قيادات الصف الاول في الجبهة الشعبية قد راحوا ضحية المطالبات المشروعة ونقدهم للنظام وذلك بعد وضعهم في غياهب جب المعتقلات والسجون .
و هناك تقارير تزعم أنه تم تصفيتهم نهائيا
. اذن هذا النظام لا يمثل الجبهة التي حررت البلاد من الاحتلال بعدأن تبرأ منه الكثير من أنصاره ، وأن هذا اليوم الذي نحتفل به ليس هو الأولى به منا .

لكم من حقنا ان نقاطع تلك الحفلات التي ينظمها ويدعوا اليها هذا النظام البائس حيث يذهب إلى خزينته ريع ما يكسبه من اشتراكات الحضور لينفذ به مخططاته .

لكن هذا لايعفونا من الاتفاق على القيام بتنظيم حفلات بالحجم نفسه مع دقة في الترتيب و التنظيم يليق بجلالة هذا اليوم الخالد في تاريخنا الوطني ، وبدلا من الذهاب إلى طريق المواجهات التي ستلطخ نصاعة بياض هذا اليوم بالسواد ؟ !!
أليس دقة تنظيم الحفلات وحجمها وتنوع فقراتها وجاذبيتها هو الذي يجعل بعض شبابنا الحائر يتفاعل معها وجدانيا وذهنيا مما يساعد على صقل هويته الوطنية تأثرا وتأثيرا؟.
إذن لماذا لا نوفر لهذا الشباب الحائر الجو قبل أي شيء آخر ؟ وهذا لا يعني أنني أحاول إيجاد مبررات لذلك القصور الشائن لكن محاولتي في الأول والأخير تنصب في البحث عن مسببات ذلك القصور ؛ لتفاديها مستقبلا مسبباته ليتم علاجها وإيجاد الحلول المناسبة لها .

وفي الأخير سوف أترك لكم الإجابة على هذا السؤال :

هل يعد الرابع والعشرون من مايو يوم استقلال ام يوم استغلال ؟

 

بتوقيع / شفا العفري

shiffa2012@gmail.com

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

4 تعليقات

  1. كم انت رائع .. وقد لمست أنك قد اجبت على السؤال ضمنيا

  2. حسن علي اسد

    بل هو يوم استقلال ممهور بدم شهداء ابناء وبنات اريتريا من كل مكونات شعبنا. وهو نتاج عطاء وتضحيات كل فصائل الثورة الاريترية وامتداد لكل صور النضال الوطني ضد كل اشكال الاحتلال الاجنبي الذي خاضته الاحزاب الوطنية ضد الاستعمار الغربي ومن ثم الاحتلال الاثيوبي. نعم استقلال بلادنا هو نتاج لتراكم النضال السلمي لشعبنا بقيادة قواه الوطنية ورموزه وزعماءه التاريخيين وهم نجوم ساطعة في سفر كفاح الشعب الاريتري لذلك لست بحاجة الى ذكر اسماء.
    ان سرقة مكتسبات الكفاح الوطني الطويل من الذين خانوا العهد لا يبرر التبرم والاساءة لهذه المناسبة العظيمة بل على القوى الوطنية ان تحتفل بها بطريقة تخلد تضحيات شعبنا وتبصر جماهير الشعب الاريتري المغلوب على امره بصيع المقاومةللظلم والاضطهاد وسلب الحقوق المشروعة التي قدم من اجلها التضحيات الجسيمة. يجب ان الا بهذا اليوم باستنفار طاقات شعبنا التي حررت الارض ومن اجل تحرير انسان اريتريا واطلاق طاقاته وطن عزيز وشامخ.

    • نعم استاذ المناضل حسن اسد هذا يوم استقالا ممهور بدم الشهداء سوف يسترده الشعب ممن سرقه بعون الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.