من الارشيف

ثلاثية الحب المنتحر…… قصة قصيرة

مختلفان حتى التناقض لا يجمع بينهما سوى الحب، يحب الاستقلالية حتى الثمالة وتحب المراقبة حد الجنون، يهوى الحرية كالسجين وتهوى القيود كالسجان، يكره المساءلة وتعشقها لدرجة قد تصل أحيانا سحب الثقة مؤقتا؛ ظنية المصطلحات ويقينية الحكم وهو قعطيّ الألفاظ ومتوجس من الأحكام القطعية.. لكن بينهما حبُّ وحتى هذا الحب ينتحر حيث التناقض يخنقه.

كتبا عن حبهما بالماركسية واختلافا معه بحتمية النهاية.

أحبَّها جميلة الطلة ممشوقة القوام ودلوعة في تحركاتها، حيث لكل حركة وغمزة منها رد فعل وجذب مضاعف بالقدر على المستهدف، وترديه قتيلا حينا آخر، وأحبته متمردا على كل ما حوله ومغرورا لدرجة لا يعترف إلا لنفسه وينازعها أحيانا في غرورها (أي نفسه)  وبالأحرى أحبته وهو ذات صيت إجتماعيّ. قد يفارقها تحفة فنية صنعتها يد نحاة متمرد على الطبيعة أجاد فيها ما لم يكن أن يجيد إلا في نحتها، وقد تتخلى عنه بعدما تصنع منه مطاطا يتشكل حسب ما يريده فنّانّها التشكيليّ؛ جعل منها مزادا فنيا يتسابق فيه عشاق القطع الأثري وتتنافس عليها رؤوس الأموال، وصنعت منه إمعة لكل رأس مال.

رحل بصمت ولم يأخذ هذه المرة التصريح المُسْبق لمواقفه وتركها لثلاثيتها المعهودة

غلطة..
ما  لك حق
ما تنسى كنتُ يوما من الأيام عاشقة ومعشوقة قبلك

هذه الثلاثية أنهت ما لم ينهه التناقض والتعارض، وكتبت نهاية حب انفرد بطابع الأنا وأفل فيه نجمي ( نحن وهم) وبينما بزغ فيه نجم (أنت) للمحاسبة والمساءلة والعتاب؛ وهذه الثلاثية علمتْ على إعادة صياغة الكلمات وتطويع دلالاتها حسب مقتضى العلاقة وهكذا كتبت الثلاثية نهاية قصة لم تكن يوما متكافئة.

كعادته استيقظ باكرا وجلس على طاولتهم هُمْ منتظرا قهوته الصباحية من حبيبته الجميلة متصفحا جريدة السلام؛ كان متعودا على أن يشرب القهوة من صنعها الخاص ومعها؛ حيث تجلس أمامه كل صباح بشعرها الكستنائي وبعيني يمامة الزرقاء وعطرها الفرنسي كوكو شانيل ( chanel coco) يعطر الجو ومطالعة صحيفتها المفضلة “جريدة القرن” وصوت رشفاتها يُحدِث إيقاع سمفونيا كآلة بيتهوفن، أفضل ما يمكن أن تبدأ به يومك. طال انتظاره ولم يدرك أنه رحل بصمت ولم يعد  إلاّ متأخّرا.

وقف مسرعا لكنه لم يجد قهوته الأثيوبية في المطبخ ونزل ليعدل مزاجه أو ليدرك صباحه بقهوة، وفكر حتى تذكر أنه كان يشرب قهوته في حي الكرم والإباء حي الشهداء “أرحبا”  حي المستبعدين وانتقاما منها قرر أن يشرب هناك -لأن في دستورها يُحرم عليه ذلك- وخاصة في مقهى حَمَدْ أمنة ( camad amina) حيث تُصنع في تلك المقهى أفضل قهوة أثيوبية؛ وكان لهذه المقهى مكانة خاصة إلى قلبه وتحتل حيزا في نفسه، وذلك لموقعها وما يذكِّره عنوانها.

طلب قهوة على فنجانه المفضل المرصع بالخطوط الزرقاء والبيضاء وأخذ منها رشفات متتالية لكن لم يكن للقهوة تلك الرائحة الشانيلية والمذاق الأفروالفرنسيّ، وطلب الثاني لعله يجد فيها ما يبحث (لاحظ كل العيون الحاضرة تحاصره وتوجّس خيفةً وتساءل في نفسه أيمكن أن وصلهم خبر رحيلي وكيف بهذه السرعة ينتشر، وإن لم يصلهم ذلك ولِمَ كل هذه العيون الرمادية تلتهمني أيعقل قد كانت عيّنتهم – قبل رحيلي- ليراقبوني ومن طبعها تغار عليّ حتى من النسيم العليل، لا لا.. لا يعقل أن تصل بها الغيرة لدرجة توظف عيونا تراقب وخاصة منهم، ألا يمكن أن هذا التصرف نتيجةً لغيابي الطويل عنهم وعن المقهى كل هذه الفترة أم أنهم يتوجسون خيفة بدورهم عني لقربي منها كل فترة الغياب وبالتالي يعتبروني جزءا منها- في هذه الحالة لم يصلهم خبر رحيلي- وانبسطت في داخلي لحظة لكني أدركت في الكلا الحالتين خسرت). أعادته يد تخبره بأن القهوة بردت وتسأله لو تغير له القهوة، فشكرها على الطيبة والكرم وأخذ من القهوة حتى فرغ الفنجان، لكن لم يختلف الثاني عن الأول سوى حال القهوة “بارد” ولون الفنجان حيث كان أحمر مائل للبني مع خطوط متداخلة التشابك والتعقيد؛ وهذا فنجانها المفضل.. وكيف عرفوا ذلك؟

ماذا ستفعل بأول صباح قد يدركك بعيدا عني؟

سألتني ذات صباح ونحن على طاولتنا نحتسي قهوتنا هذا السؤال ولم أعلم يومها عمق هذا السؤال وكما لم أعلم ما ترمي إليه، وأجبتها بتلقائية بأنه لن يكون هناك يوم يخلو عنها وردت بسرعة ولن أسمح لك ذلك بنبرة قوية.

هذا التساؤل لم يعد مجرد سؤال اليوم، بل واقعا يعيشه. جعل منه محور الأزمة حتى وجد مكمن المشكلة وأن الصيغة الفعلية للسؤال هي كيف ستتخلص من التعود وقد استأصلتُ منك التمرد بحيث حولتك مطاطا يتشكل من رغباتنا (نحن) وإمعة يحسن بأمر منا ويسيئ بتصريحنا؟

فأدرك أن التخلي عما تعوّد عليه في الحب بداية ناجحة لختمه بالنسيان وأن التمرد هو مضاد حيويّ لكل تعوّد.

أَحَبَّ بقلب واحد وبعقل متغيّب ورجع منه بعقلين وقلبين.

وهكذا أنهت الثلاثية ما لم ينهه التناقض.

بقلم /

Fantastic Kamil

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.