النظرة التي لم تكن لى (٢) .. رواية .. شريفة العلوي

عدت أخاطب نفسي ثانية كيف استطاع هذا الغريب أن يهز كياني ..وأية زوبعة أطلقها في أركان روحي .. !
عمن تبحثين ..؟
أفقت على صوته ثم ألقيت نظرة على ما حولي لم يكن سوى هو ..هو الذي لا اعرف اسمه
(يبدو انه طويل البال ..!
بل استشعر بما اعتراني من وهن أمام طغيانه فأراد التلذذ برؤية فريسة عيونه وهي تتلوي كأفعى راقصة على ايقاع مزمار وإنما تتلوي قهرا وكمدا بسبب هذا السحر الذي يؤسرها )
استجمعت قواي وقلت : ابحث عن صديقتي كآخر نفس أطلقه
وكم كانت أنفاسي تتهالك خائرة كلما تصفعها ضربات القلب التي ابتكرت انتزاعي من جذور الأرض و التي كنت أقف عليها بثبات
أجزم بأن الثبات هنا آخر قشة أتشبث بها ..قلبي العنيد الذي كان صندوقا مغلقا ..
والآن يشبه دفترا تعرى من الغلاف وتصفعه الرياح من كل جهاته
يبدو الآن مجرد غبار نفضته نظرة مغسولة ببحر لا أعرف موقعه , غرقت ولم تسعفني معرفتي بالسباحة فهذا البحر يختلف وذاك الحدق محترف ..
يا له من غريب ..
غريب الأطوار ألا يذهب في حال سبيله !
حتى وان ذهب في حال سبيله ما الفرق , سيبقى المكان مملوءا به ..
نعم وسيترك عبق عطره كحارس مخلص للمكان ومن يحتويه ..
انسحبت بهدوء وعندما رمقني بنظرة تومض بمعاني كثيرة ..
قلت له بأني أتوقع أن تأتي صديقتي من جهة أخرى وغادرته من فوري ,, لكني يقينا أخذت بعضا منه معي ..سحره ..هدوء صوته ..عواصف نظراته ..
و بريق فيه الـ كثير من الدهاء يخبئ غموضا غريبا بين عيونه ..
تقديره لمسافة دقات قلب الآخر الذي يرمي له شباك يستحيل أن يخرج من بحره خاوي الوفاض ..
وفي يقيني لا يوجد مكانا واحدا يسعنا معا , وهكذا استطعت الفكاك من بين فكي حضوره الساحر ..
وها وصلت صديقتي أخيرا
أقبلت سعاد ببشاشتها المعهودة
صباح الخير يا روعة ـ
صباح النور يا سعاد ـ
لماذا تأخرت ـ
لم أتأخر بل أنت جئت قبل الوقت المحدد
ربما صفية تلاعبت بالساعة , في أيام امتحاناتها المدرسية هي تقدمها بـ بربع ساعة لهذا أنا هنا متقدمة عن الوقت بربع ساعة بينما هي تراجع دروسها في ساحة المدرسة وأنا ألتهم أصابع القلق..
أنت متوترة اليوم , لم تكمل سعاد جملتها هذي حتى وصل سكرتير المدير في قسم التوظيف أخذ أوراقنا وطلب منا أن ننتظر في الردهة
بعد عشرين دقيقة التي مرت كأنها سنة دخلنا عند المدير
وكان يتفحص الملفات ثم نظر إلينا من تحت نظارته
قائلا ..العمل يحتاج إلى انضباط واحترام المواعيد و والمرونة في التعامل مع المراجعين والزملاء و و
فهمنا من كل هذا بأنه تم تعييننا ..كنت أطير فرحا لاحتضن والدي واخبره بأني سوف اخفف عنه بعض المسؤوليات التي أنكهته وخاصة بعدما قرر اخي أن يعمل بنصف دوام لأنه قرر أن يكمل دراساته ..

والدي ذلك الرجل المخضرم الذي ينتمي لجيل عهد الاستعمار وهذا الجيل يصنف على أنه جيل يحمل رؤية مختلفة قد لا تتفق مع الواقع الذي نعيشه وقد لا تحمل للجيل الجديد نقلة وعبور كنموذج ناجح ولكن رغم هذا كنت أجد بنظرة والدي في أمور كثيرة حكمة رصينة يغلفها قدر من الثقافة وبعد نظر وكياسة ..

وبما أن هذا الجيل رغم صعوبة الفترة التي عاشها تحت قبضة استعمار إلا إنه يتسم بكثير من المرونة تجاه الصعوبات والتحديات بل يتجاوزنا باتساع أفق يأمل منه بأن الحياة خلقت لمن يملك الإرادة ولا تصافح بسواعدها الكسالى والاتكاليين لترفعهم من الأرض إلى السماء هذه رؤية والدي , وخلافه الدائم مع الجيل الجديد, ورغم هذا كنت أحب فيه اللباقة والرقي في التعامل ,واحترامه المواعيد ناهيك عن إحساسه بالمسؤولية تجاه الجيران وكثير من المعارف ..
عندما يجلس أبي في (المقيل ) الغرفة التي كان يجلس فيها عندما يخزّن ..حيث يبدو ملكا على عرشه متكئ على وسائد سميكة متطابقة والمفارش الزاهية التي توضع فوق منضدة مستطيلة توضع فوقها تلك الحزمة ( اللعينة ) وحوله برادة ماء متوسطة الحجم ممتلئة بمكعبات الثلج وعلى اليمين الملقاط الذي يعمل كوسيط بين القطع الثلجية والماء الفاتر ..
أما أكواب الماء وهي فارغة تعكس حركة المروحة الهوائية بينما الحزمة الخضراء ملفوفة بفوطة خاصة لها ..يتم غسلها بعد كل مقيل , تنال من الاهتمام ما لم ينل الرضيع في مهده ..وعلى عتبة الباب مبخرة عتيقة تقذف أمي في فمها البخور العدني ( يصنع هذا البخور من خلطة عطور مختلفة بالإضافة الى كمية من سكر وظفر القواقع , ويسمى البخور العدني* ربما يعود أصله لعدن جنوب اليمن الشقيق ولكنها عادة جيبوتية دائمة التجدد ) كي تلجم رائحة الدخان الذي يطلقها أبي بجانب كل مضغة خضراء ..رائحة السجائر مزعجة, وعبق البخور مجرد حالة دفاعية ..لكن أبي كان ينفثه كخيول تنطلق في المروج بمحاذات موجات البخور كان على أبي ان يدفع ثمن البخور كما كان يدفع ثمن الحزمة الخضراء بكل ما تحمله من مواجع,, الفرق ان البخور يحبه الجميع أم الحزمة الخضراء لافراد يعشقون شراء أوجاعهم وأحيانا موتهم ..الموت الاختياري يبدو أفضل للبعض ..
وكانت أمي تهتم بأن يكون هذا المقيل جنة والدي التي لا يريد الخروج منها ..
وكم من الإحصائيات تناولت أضراره الصحية والمعنوية والاقتصادية ولا حياة لمن تنادي .

Comments

هنا تستطيع ان تترك تعليقا عبر حسابك في الفيسبوك دون إدخال الاميل او البيانات الخاصة بك

عن Shefa Alafari

شاهد أيضاً

تفوقت إثيوبيا على تنزانيا وأوغندا كوجهة استثمارية رئيسية لكينيا في الخارج.. سفاريكوم إثيوبيا تعين السفير الإثيوبي السابق في فرنسا مدير للشون الخارحية

  عينت سفاريكوم إثيوبيا السفير الإثيوبي السابق في فرنسا ، إينوك تفران ، مسؤولاً للشؤون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.